الحسم في الوثيقة والحكومة الأسبوع القادم: الخيارات محدودة أمام رئيس الجمهورية لتجنب «الثمن الباهظ»

لم يعد احد من الفاعلين في المشهد السياسي الحالي يرغب في تأجيل البت في وثيقة قرطاج2

وحكومة الشاهد مرة اخرى، الكل يريد ان يكون الاسبوع القادم موعدا للحسم والوصول الى اتفاقات نهائية، لكن الحسم وان طلب في اجل محدود فهو ليس بالأمر الهين خاصة في ظل خيارين: رحيل الشاهد او بقاؤه وهذا ما سيقرره قصر قرطاج الذي بات نقطة تجميع خيوط اللعبة السياسية برغبة من الفاعلين.
منذ بداية الأزمة بين حكومة الشاهد والمنظمات الاجتماعية، حرصت الأخيرة على ان تنقل أوراق اللعبة بأكملها الى قصر قرطاج لتتظلم وتحشر حكومة الشاهد في الركن، ومع تتالي الأحداث والتطورات نقلت كل الاوراق للقصر لحسم ما انطلق منذ اكثر من شهرين، تعديل وثيقة قرطاج وحسم مصير الشاهد.
هذا التجميع وترحيل الاوراق وطاولة اللعب الى قصر قرطاج، لم يكن بالأمر المرغوب فيه من قبل رئيس الدولة وخاصة في الوقت الراهن، بعد نتائج الانتخابات، لكنه مطالب بان يجالس الجميع وان يكون الحكم وبالأحرى موزع الأوراق في لعبة «البلاك جاك». حكم ولاعب في ذات الوقت.

مع ميزة ان الكلمة الأخيرة ستكون له، اي ان احد الخيارين المطروحين اليوم، رحيل الشاهد وحكومته او بقاؤه مع اجراء تعديلات على الحكومة، خياران سترجح الكفة التي يتكئ عليها الرئيس ويدعمها، هذا ما يدركه الجميع ويعمل على ان يستميل الرئيس الى كفته حتى وان كلف الامر التلويح بالخروج من وثيقة قرطاج كما فعل الاتحاد.
ورقة الخروج التي ألقاها الاتحاد على الطاولة ليضغط بها على الجميع واساسا اللاعب الرئيسي، جعلت من تحديد الكفة التي سيختارها الباجي قائد السبسي أمرا صعبا، فالرجل امام خيارين ليس من البسيط ترجيح احدهما في ظل «الثمن» الذي سيدفع لقاء الخيار.

فثمن الخيار الاول، وهو تغيير كلي للحكومة سيكون على مستويين، داخلي وهو مركب من عناصر عديدة، على غرار الوقت والتكلفة السياسية، اذ سيقع تخصيص 3 اشهر على اقل تقدير في المشاورات لاختيار رئيس الحكومة وفريقه، قبل ان يتجه الاخير الى المجلس لنيل الثقة، هذا ان قبل الشاهد تقديم استقالته.

رفض الشاهد للاستقالة او إقدامه عليها ستجعل الأشهر الثلاثة عسيرة، فالحكومة التي ستنتقل الى حكومة تصريف اعمال، ستقلص من نشاطها وحجم تدخلها والتزاماتها، في الوقت الذي هي فيه على ابواب اعداد موازنة 2019، وتجرى اليوم المفاوضات العامة للزيادة في الأجور وتفاوض في ملف وزارة التربية مع نقابة الثانوي وملفات اخرى مشابه.
انتقال الحكومة الى خانة تصريف اعمال سيعقبه تردى العلاقة بينها وبين الاتحاد وهذا يعني ان الحكومة وفي الاشهر التي بقيت لها ستتمسك بخياراتها وتنفيذها، وهذا يعنى صداما مع الاتحاد قد لا يمر دون تداعيات على مسار تشكيل الحكومة والوضع العام.

العنصر الاخر في معادلة الداخل، ان التغيير الكلي للحكومة سيأتي قبل الانتخابات التشريعية المزمعة في اكتوبر السنة القادمة، اي ان عمر الحكومة القادم سيكون سنة واسابيع معدودة. ما يجعلها بدورها حكومة تصريف اعمال، ستؤجل الخيارات الكبرى الى ما بعد انتخابات 2019، حتى وان ضمنت هذه الخيارات في وثيقة قرطاج2 فان الحكومة ورئيسها سيكونان غير قادرين على فرضها وهما يدركان ان وضعهما ضعيف.

عنصر الضعف هو الشرط الأخر، عدم ترشح أعضاء الحكومة للانتخابات القادمة، سواء التشريعية أو الرئاسية، وهذا إن اقترن بقصر المدة فانه سيكون منفرا لشخصيات نظريا قد تحصد إجماع أهل الوثيقة بيسر، مما سيترك مسالة اختيار المعوض تأخذ مزيدا من الوقت، وعقبه ستنتقل مسالة النفور الى الأحزاب.

فشرط عدم الترشح سيكون بمثابة ضغط إضافي على الأحزاب، الموقعة على الوثيقة، إذ ستجد نفسها مجبرة على ان تخير ممثليها اليوم بين البقاء في الحكومة آو الانسحاب وتقديم اخرين يقبلون بهذا الشرط. وهذا ليس بالأمر الهين في حركة النهضة والنداء والمسار الديمقراطي الاجتماعي، فقادة الصف الأول لهذه الأحزاب هم من يمثلونها في الحكومة وانسحابهم لن يكون مستساغا بيسر وبقاؤهم مع شرط عدم الترشح لن يقبل لأنه يقضي على مستقبلهم السياسي.

فهم لن يسمح لهم بالترشح للتشريعية القادمة مع العلم ان المجلس بات جسرا يصل بين السياسيين ومقعد الوزارة، وعدم الخوض فيه يعني بطريقة غير مباشرة الابتعاد الكلي عن الساحة السياسية والحزبية وهي في مرحلة إعادة تشكيل أركانها وافرادها.
عناصر تحديد ثمن مغادرة الشاهد وحكومته لا تقتصر على الجانب الداخلي، بل هناك عوامل لا تتوقف عند هذا الحد فالعامل الخارجي مهم وان تغييرا كليا للحكومة سيعزز حالة القلق لدى القوى الاوروبية والدولية التي باتت تعتبر ان حالة أللاستقرار السياسي في البلاد تحول دون تحقيق شيء، هذه الرسالة كررها صندوق النقد الدولي الذي حل وفده التقني في تونس واجرى جملة من اللقاءات تسبق صرف القسط الثالث من القرض.

كل هذا يتم في ظل حالة مالية متردية، ستجبر الحكومة القادمة او الحالية، على الخروج للسوق الدولية للاقتراض في ظل تراجع ثقة الاسواق المالية وهو ما سينعكس سلبا على تصنيفها وعلى قيمة الاقتراض، كما ان الثمن المفروض ان يدفع مقابل تغيير الحكومة لا يقتصر على هذا الحد بل يشمل عناصر اخرى.
عناصر عدة يقابلها ثمن عدم التغيير وهو مغادرة المنظمات الاجتماعية الكبرى، بالأساس اتحاد الشغل وقد لحقه اتحاد الاعراف، فهما متمسكان بمغادرة الشاهد للقصبة، وان لم يقع يصبحان في حل من مضمون وثيقة قرطاج، هذا ان تم سيفتح الباب امام المجهول فلا احد يمكنه ان يستشرف ما قد يقدم اتحاد الشغل او كيفية تعاطيه مع الحكومة القادمة ومدى تفاعله معها.

هذا يدخل البلاد في ازمة اجتماعية هي آخر ما قد يرغب به في ظل تعدد الازمات التي تمر بها. البلاد، اذ ان وقوعها سينعكس تباعا على المشهد العام وعلى ما سبق من تعطل لاجهزة الدولة ودخول في ازمة سياسية واللاستقرار الذي بات «لعنة» تحلق فوق رؤوس الجميع.
خياران لا احد منهما افضل من الاخر ان تعلق بالتداعيات، والبحث عن منطقة وسطى بين الخيارين هو الحل الوحيد الذي ظل لرئيس الدولة وهي مفاجأته التي قد يحملها في ظل تكتم شديد من القصر على ما يفكر به الرئيس او يزمع على فعله.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115