تفاقم الأزمة بين الحكومة والاتحاد: التجاهل مقابل التصعيد...3.2.1 قفزة إلى المجهول ؟

يبدو أن أزمة الحكومة واتحاد الشغل لم تبح بعد بكل مفاجأتها،

وان ظلت الممارسات على حالها، اتحاد الشغل يتدرج في التصعيد الخطابي والاحتجاجي، مقابل إبقاء الحكومة على تعاملها الفاتر/المتجاهل مع النقابة والتمسك بموقفها الأول. في اطار مقاربة يهدف كل منها الى تحقيق «النصر». لكن التطورات الراهنة تنذر بان كليهما لن يخرج سالما.
كل خطوة جديدة في مسار أزمة التعليم الثانوي تؤكد ان القادم لا يحمل حلا، فالجميع لا يزال عند موقعه وبذات الموقف الأولي، الاتحاد العام التونسي للشغل/ نقابة التعليم الثانوي، الاستجابة للمطالب او التعهد بالاستجابة لها مقابل الانفراج، مقابل تمسك الحكومة بموقفها انفراج الأزمة يقابله الجلوس إلى طاولة التفاوض.
هذا الوضع المشحون بات يهدد بحدوث انفجار قد لا يبقي على شيء، فالقيادة النقابية التي اختارت ان تواجه تجاهل الحكومة لها بالتصعيد، يبدو انها انجرفت إلى الأرض التي تريدها الحكومة ان تقف عليها، الصدام الكلي معها. وهذا عبر حشد النقابات والنقابيين واستعمال سلاح الإضراب الوطني العام، يكون كشجرة تحجب الغاب، فالاتحاد ومنذ اسابيع عديدة كان يستعد للتلويح بهذا السلاح في وجه التفويت في المؤسسات العمومية.

هذا السلاح، تريد الحكومة ان يلوح به الاتحاد كتهديد لها ان لم تستجب لمطالب نقابة التعليم وليس بسبب خياراتها الاصلاحية، ليس لتبرر لنفسها التراجع عن موقف رفض منح الزيادة في الأجور بل لتدين به الاتحاد وتقدمه في صورة «غير المسؤول». هذه الصورة التي انطبعت في أذهان البعض بسبب بعض الانفلاتات النقابية.
صورة ستستنزف الاتحاد العام التونسي للشغل، إن لم يكن اليوم ففي المستقبل القريب، مما يجعله مطالبا بان يكون اشد حرصا على تجنب المواقف المتشنجة وتصعيد الازمة، الذي انجرت إليه المنظمة بعد تجاهل الحكومة لها، ورفضها عقد جلسات تفاوض رسمية.
هذا التجاهل الذي حمل رسائل عديد من قبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى قادة الاتحاد مفادها انه يمتلك الكثير من أوراق اللعب ليجعلهم يدفعون ثمن إعلان نهاية حكومته، وأنّ هذه الأوراق هي معالجته لازمة التعليم، فالحكومة حرصت على ان تقدم نقابة التعليم الثانوي على إنها منفلتة تقامر بمستقبل التونسيين مقابل زيادات في الأجور مع علمها بصعوبات المالية العمومية والتزامات الدولة مع صندوق النقد الدولي.

صورة وجدت طريقها لتنطبع في أذهان جزء من التونسيين، وهذا ليس بفضل خطاب الحكومة بقدر ما كان بسبب تصرفات وتصريحات قادة نقابة الثانوي، بل وحرصت الحكومة على ان تحول دون اي محاولة لتهدئة الوضع من قبل المركزية النقابية برفض الجلوس للتفاوض رسميا معها، اي رفض الشاهد لمقابلة الطبوبي.
تجاهل كانت تدرك الحكومة انه سيثمر عن تصعيد، استعدت بدورها لاستغلاله، فالحكومة ووفق مصادر منها تعتبر ان اية خطوات تصعيدية من قبل اتحاد الشغل إثر مكتبه التنفيذي وهيئته الادارية حق دستوري مكفول للمنظمة وهي تحترم هذا الحق، لكنها لن تستجيب لمطالب نقابة الثانوي مع القول دائما ان يديها مفتوحتان للاتحاد فهي تراه شريكا ولااستعداد لها لان تتخلى عن هذه الشراكة هذا على مستوى الخطاب اما الفعل فمختلف تماما.

ما لا تعلنه الحكومة صراحة ولكنه تقر به في تعاملها مع المنظمة هو ما يعبر عنه المثل الشعبي «كان عندك ريح ذري عشرة»، اي انها غير مهتمة باي تصعيد ولا تخشى ما قد تؤول إليه الأوضاع من تازم، ففي تقدير الحكومة هي الفائز سواء باستمرار الأزمة او انتهائها.
فان انتهت فان الفضل كله يعود إليها، إضافة الى فرص استثمار هذا الأمر في تعزيز تموقعها وان استمرت وأدت إلى خروجها فان الأمر سيكون بمثابة هدية العيد لها، فهي ستستعملها وأساسا رئيسها كورقة سياسية قوامها انها لم تفشل وإنما أجبرت على الذهاب بسبب وقوفها في وجه اثنين، لوبيات الفساد واتحاد الشغل.
هكذا يرى طرفا الأزمة الوضع، ويتموقع كل منهما وفق تصوره، ويعتمد على خيارات يظن انها ستنجيه والحال انها تجره وتجر البلاد معه الى مزيد التازم الذي قبل لها به، وقد كان بيد كل منها مخرج يقيهما حرجا هما في غنى عنه.

اليوم أكثر مما مضى الجميع مطالب بان يتحمل مسؤولية ما بلغناه من وضع ليس اخطر ما فيه أزمة نقابة الثانوي ولا الأزمات السياسية، بل اخطر ما فيه انه منفر للأمل والحلم لشريحة تتعاظم من التونسيين. فنحن وطوال السنوات السبع الفارطة هيأنا مناخ الفوضى التامة، بعضنا راهن على تحقيق مكاسب خاصة وقطاعية وفئوية وغفل عن ان مكاسبه ستزول ببلوغ الفوضى حدها.

اليوم لا حلول سحرية لما نحن فيه غير ان تنتصر الدولة على القبيلة، حزبا كانت او منظمة، وهذا لن يتم ان دون تحدد قواعد ادارة الصراع بين المختلفين تقف دون حدود تهديد الدولة، والدولة ليست الحكومة او مؤسسة او حزبا او منظمة، بل هي كل هذا ونحن والمستقبل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115