نوايا التصويت في الانتخابات
قراءة وتحليل زياد كريشان
أربعة أشهر ونيف تفصلنا عن موعد الانتخابات البلدية (17 ديسمبر 2017) والملاحظة الأبرز هي الاستفادة القصوى لحزب نداء تونس من ارتفاع منسوب الثقة في رئيس الحكومة يوسف الشاهد إذ يصل بفضل ذلك إلى مستويات نسبته الانتخابية في 2014 رغم التدني الكبير للثقة في ابرز قيادييه الحاليين..
الملاحظة الثانية هي تراجع نسبة العزوف عن الانتخابات بأربع نقاط في البلدية وبثماني نقاط في التشريعية وست نقاط في الرئاسية بما يعني أن التونسيين بدؤوا يهتمون تدريجيا بالموعد الانتخابي القادم.
أما الملاحظة الثالثة فهي تواصل صعود أسهم يوسف الشاهد في الانتخابات الرئاسية (3نقاط ونصف في شهر واحد) إذ أصبحنا أمام ثنائي (الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد) متقدم جدا على بقية المتنافسين.
الانتخابات البلدية على الأبواب والاهتمام بها يزداد رغم الارتفاع الكبير لنسبة العزوف (%63.8) ولكن المتوقع تواصل نزول هذه النسبة شهرا بعد آخر بحكم ارتفاع نسق الاستعدادات ووضوح العرض الانتخابي الحزبي والمستقل كذلك ..
من المهم جدا أن نعلم أن سبر آراء نوايا التصويت الذي نقدمه اليوم يقوم على مبدإ الإجابة التلقائية ودون تقديم أية اقتراحات مسبقة..والنتيجة هي تدعم المعادلة السياسية الموروثة عن انتخابات 2014 وبنفس النسب المئوية تقريبا ..فالعنصر الوحيد الجديد نسبيا هو التنافس بين التيار الديمقراطي والجبهة الشعبية على المرتبة الثالثة ..أما ما سوى ذلك فلا جديد يكاد يذكر ..
بعد فترة من تراجع نوايا التصويت لنداء تونس نلاحظ عودة قوية للحزب الفائز في انتخابات 2014 ليصل إلى نفس نسبته السابقة تقريبا (%37.3) وبنفس الفارق أيضا عن حركة النهضة التي لا تتحصل إلا على %26.4 بينما تأتي الجبهة الشعبية في المرتبة الثالثة ومتأخرة جدا عن ثنائي الطليعة (%7.6)..
هنالك مفارقة في عمليات سبر الآراء المتعلقة بنداء تونس لابد من محاولة تفسيرها..
عندما نسأل التونسيين عن مدى ثقتهم الكبيرة في السياسيين نجد أن القيادات الحالية لنداء تونس الملتفة حول حافظ قائد السبسي تحظى بنسب ضعيفة جدّا تجعلها في مؤخرة الباروميتر السياسي (انظر «المغرب» ليوم الجمعة 4 أوت) ولكن في نفس الوقت ترتفع أسهم الحزب في نوايا التصويت بصفة لافتة ..
التفسير الأرجح لهذه المفارقة هو عدم تمييز عموم التونسيين بين «النداء» والسلطة التنفيذية برأسيها..فالنداء بالنسبة لعموم التونسيين هو الحزب الحاكم وتحديدا حزب رئيس الجمهورية والآن وبصفة قوية هو حزب رئيس الحكومة الذي أضحى بعد الحملة على بعض لوبيات التهريب والفساد يحظى بمنسوب ثقة مرتفع للغاية تجاوز %80..
والمفارقة الغريبة هي الصراع الخفي المعلن بين قيادة النداء ورئيس الحكومة ولكن هذه الصراعات التي تشغل النخب السياسية والإعلامية يبدو أنها لا تهم كثيرا عموم التونسيين الذين لا يقيمون فروقا هامة بين الحزب الحاكم ومكونات منظومة الحكم بأسرها ..
ولكن الواضح أن هذا النمو الطردي الغريب لا يمكنه أن يتواصل لأنه يتأسس على التغطية على تناقضات عميقة سوف تنفجر اليوم أو غدا..
غياب المشروع البديل
عندما نتأمل في نوايا التصويت في الانتخابات البلدية أو التشريعية نلاحظ أن المشاريع التي ولدت بعد انتخابات 2014 لتكون بديلا لنداء تونس بالأساس اثر تعدد الشقوق داخله ورغم كل المحاولات لم تتمكن إلى حد الآن من اختراق ولو نسبي لحائط عدم الاكتراث السياسي لعموم المواطنات والمواطنين..
فالجبهة بقيت ولاشك الحزب الثالث رغم المزاحمة الجدية من قبل التيار الديمقراطي ولكنها لم تتمكن إلى اليوم من بدء مزاحمة ثنائي الطليعة بل حتى من مجرد الاقتراب منهما ..والواضح أن طموح الجبهة الشعبية يقتصر الآن على الحصول على المرتبة الثالثة وعلى تحسين النسبة المئوية التي حصلت عليها في انتخابات 2014(%3.7) نفس الطموح يراود اليوم التيار الديمقراطي الذي يريد اليوم المراكمة على منسوب الثقة الكبير الذي تحظى به بعض رموزه (سامية عبو ومحمد عبو ) لكي يصبح القوة الثالثة في البلاد..
بعد هذا الرباعي الأول نجد صراعا آخر بين آفاق تونس والوطني الحر من اجل المرتبة الخامسة ، أي من اجل إثبات الوجود بالنسبة لآفاق والتوقي من الاندثار للوطني الحرّ الذي سيخوض الانتخابات البلدية – إن خاضها – ورئيسه واقع تحت متابعة قضائية بعد أن تمت مصادرة أملاكه..
حزبان وليدان يلعبان ورقة مصيرية في الانتخابات القادمة وهما مشروع تونس لمحسن مرزوق والبديل التونسي للمهدي جمعة..فرغم الحضور السياسي والإعلامي لحزب المشروع وخاصة بفضل استناده إلى كتلة نيابية هامة فانه لم يتمكن بعد من البروز في كل عمليات سبر الآراء والتوقعات كلّها مخيبة لآمال قادته بصفة كبيرة ..
ويمكن أن نقول نفس الأمر بالنسبة للبديل التونسي للمهدي جمعة..هذا الحزب الذي أريد له أن يكون بديلا لوسط الخارطة السياسية لم يولد كبيرا كما رغب في ذلك مؤسسوه بل نراه اليوم في مواقع متأخرة للغاية بما قد يفسد كل الاستراتيجيات القادمة لفريق رئيس الحكومة الأسبق ..
في السوسيولوجيا الانتخابية
لا فروق تذكر بين نوايا التصويت في الانتخابات البلدية وسميتها التشريعية إلا في نسبة العزوف التي تنزل ب 15 نقطة كاملة بما يدل ،مرة أخرى، على أن انتخابات «القرب» هي الأبعد عن وجدان الناس لا في تونس فحسب بل في جلّ الديمقراطيات الحديثة..
تفيدنا المعطيات المفصلة لنوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بان نقاط القوة والضعف جهويا بالنسبة للحزبين الأولين بقيت هي نفسها تقريبا ..
تبقى ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) هي نقطة القوة الأساسية لنداء تونس مع قوة ضاربة في ولايات تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) وصفاقس..
أما نقاط ضعفه الأساسية فهي في كل ولايات الجنوب تماما كما كان الأمر سنة 2014..
أما حركة النهضة فهي تحقق ضعف معدلها الوطني في ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) وتبقى نقاط ضعفها الأساسية في ولايات الشمال الغربي (باجة والكاف وجندوبة وسليانة) وبدرجة اقل في تونس الكبرى..
تحقق الجبهة الشعبية أفضل نتائجها في جهة الشمال الغربي وهي تكاد تكون غائبة في الجنوب الشرقي ..
أما التيار الديمقراطي فيحقق نتائج جيدة للغاية بصفاقس وولايات الجنوب الشرقي مقابل نتيجة متواضعة جدّا بولايات الساحل..
جندريا لا وجود لفوارق تذكر بين الأحزاب الأربعة الأولى ..
يحقق النداء أفضل نتائجه في الطبقة المرفهة في حين تتساوى نسبيا نتائج النهضة في كل الفئات مع تفوق طفيف في الطبقة الوسطى السفلى (صغار الموظفين والتجار.. ) أما الجبهة والتيار فهما حزبا الطبقة الوسطى العليا بامتياز..
على عكس ما قد يتصور البعض النداء هو الحزب الأول بلا منازع عند الشباب (18 - 29 سنة) بينما نجد أن أفضل نتائج النهضة هي في فئة صغار الكهول (30 - 44 سنة) أما الجبهة فهي تبرز خاصة في فئة كبار الكهول (45 - 59 سنة) في حين يسجل التيار الديمقراطي تقدما هاما عند صغار الكهول..
تكمن قوة النداء الضاربة عند الأميين إذ يحرز في هذا الصنف على حوالي ثلثي نوايا التصويت في حين تكون أفضل النتائج عند النهضويين في صنف أصحاب مستوى التعليم الابتدائي أما الجبهة والتيار فهما حزبا أصحاب مستوى التعليم الجامعي تماما كما هما حزبا الطبقة الوسطى العليا.