تحليل إخباري: الديبلوماسية «الشعبية» ومخاطر المحاور

الجدل الدائر منذ يوم أول أمس حول اللقاء الذي جمع وفدا قياديا من حركة مشروع تونس بالمشير خليفة حفتر في بنغازي بين الحزب المعني ورئاسة الجمهورية حول «الإعلام» بدل «التنسيق» وتأكيد الطرفين، في سياقين مختلفين، بأن «العنوان الرسمي للديبلوماسية التونسية»

أو «المخول رسميا بتنفيذ السياسة الخارجية لتونس» إنمّا هو وزير الخارجية وبصفة حصرية يطرح، من جديد ومن زاوية مغايرة مسألة «الديبلوماسية الشعبية» التي اشتهر بها زعيم حركة النهضة والتي وجد لها في شخص محسن مرزوق منافسا جديدا وجديا ..
يعتقد العديد من التونسيين انه لايحق لمسؤول سياسي أو شخصية عامة ملاقاة ديبلوماسي أجنبي دون تفويض رسمي وصريح من قبل الجهات الرسمية .. وهذا، بالطبع، اعتقاد خاطئ أو لنقل بأنه لا ينطبق إلّا على الشخصيات الرسمية في الدولة وتدقيقا الموظفين السامين.. إذ لا شيء يمنع نائبا في مجلس نواب الشعب من لقاء ديبلوماسي أجنبي دون إعلام أحد..وحده الموظف العمومي ملزم بالاستئذان وبالإذن الصريح..وهذا هو العرف في كل البلدان الديمقراطية .. ولكن حق الاتصال والحوار مع الديبلوماسيين ليس مطلقا ولا يخوّل لصاحبه أن يتصرف كما يشاء.. والإشكال في تونس أننا لا نميّز بوضوح بين كل هذه المجالات ونغيّر الخطوط الحمراء وفق الطرف المعني بها ونجد صعوبة في وضع القواعد العامة المعقولة والمنطقية وإلزام الجميع بها دون استثناء..
وقد لمسنا هذا التذبذب في أعلى هرم السلطة بين تسامح مفرط مع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وانزعاج مبالغ فيه عندما تعلق الأمر بمحسن مرزوق زعيم حركة مشروع تونس ..

انه من حق رئيس الجمهورية أصالة ومن حق وزير الخارجية نيابة تكليف أيّ شخصية وطنية بمهام وقتية غير رسمية.. ولكن ما حصل مع رئيس حركة النهضة بداية ومع المنسق العام لحركة مشروع تونس ثانية لا يندرج البتة في هذه الخانة بل نحن أمام مبادرات شخصية

يتم الإعلام بها الجهات الرسمية ليس إلا .. وينبغي التأكيد هنا أن كل هذه «المبادرات» الخاصة انصبت على ملف شديد الحساسية للأمن الاستراتيجي لتونس وهي المسألة الليبية.. واللافت للنظر هنا هو اتصال كل طرف سياسي تونسي (النهضة والمشروع) بالأطراف الليبية القريبة منها في التموقع السياسي (الإخوان المسلمون وحكومة طرابلس من جهة وخليفة حفتر وبرلمان طبرق من جهة أخرى) وغير خفي على احد أن لهذه الأطراف الليبية ارتباطات إقليمية ودولية مختلفة فالإخوان المسلمون منخرطون في حلف قطري تركي والمشير خليفة حفتر مسنود من مصر ومن الإمارات.. والفريقان الليبيان اليوم على طرفي نقيض تماما كالفريقين التونسيين اللذين اتصلا بهما ..بما قد يؤدي و(نشدد على «قد») إلى استيراد الأزمة الليبية على الساحة السياسية التونسية وأن يدخل هذه المحاور -إن لم تدخل بعد- رلى الداخل الوطني...

ولابد أن نؤكد هنا بان التدخل الحزبي التونسي في الساحة الليبية لن يزيد إلا في غموض الموقف التونسي وفي سوء قراءته المحتملة من الفرقاء الليبيين أيضا..

ويبدو أن رئاسة الجمهورية تتحمل قدرا هاما من المسؤولية عندما سمحت للاعب سياسي تونسي (راشد الغنوشي) بالتدخل في هذا الملف بل فيما بدا وكأنه تكليف من دولة أجنبية (الجزائر) .. لقد كان على رئيس الجمهورية أن يؤكد بكل صرامة بأنه لا ينبغي أن يوجد صوت آخر في الملف الليبي غير الصوت الرسمي..

وهذا «التساهل» مع الصوت النهضوي وقبله مع آخرين هو الذي سمح بتعدد المبادرات وبدخول أكثر من طرف على الخطّ..

نقول ونعيد إنه لا مانع من تكليف راشد الغنوشي أو محسن مرزوق أو غيرهما بمهام ديبلوماسية غير رسمية ولاشيء يمنعهما هما وبقية الشخصيات الوطنية من الاتصال بمن يشاؤون ولكن هنالك ملفات دقيقة كالملف الليبي لا تجوز فيها المبادرات الحزبية الخاصة ولا تجوز فيها المنافسة بغاية تحقيق «مكاسب» على حساب الخصم الداخلي..

انه من مصلحة تونس في مثل هذه الملفات ألا تتكلم إلا بصوت واحد وبلغة واحدة وأن تبقى هذه الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية خارج هذه الدوائر السيادية وان تتنافس فقط على الساحة الداخلية وألا تعطي الانطباع بأنها مرتبطة بمحاور إقليمية أو دولية..
وبالنسبة للجميع نقول كما قالت العرب قديما : «الحيلة في ترك الحيل».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115