الاتحاد العام التونسي للشغل: بين المطلبية والعمل السياسي والدور التعديلي...

دور الاتحاد العام التونسي للشغل ومجال تحرّكه وحدوده ومهامه منذ التاسيس كان موضوع ندوة نظمها منتدى الجاحظ مساء امس السبت بالعاصمة بعنوان «الحركة النقابية...من المطلبية الى التوافق الوطني» وقد طرح المتدخلون في الندوة آراءهم بخصوص دور الاتحاد منذ التأسيس

الى الساعة وتدخله في المسالة السياسية او التداخل والعلاقة الجدلية بين المطلبية والمسألة الوطنية او الشأن الوطني.

الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري وبعد تدخّل كل المشاركين والذين لم تخرج آراؤهم عن سياق التداخل بين المهمة الاجتماعية النقابية لاتحاد الشغل ودوره السياسي انطلق من تعريف الاتحاد بكونه منظمة جماهيرية لها عمق اجتماعي و اهداف اجتماعية وقاعدتها متنوعة وبالتالي لا يمكن الحكم عليه او تحليله وفق ذات ادوات الحكم على حزب او جمعية فالاتحاد كما يراه عضو مكتبه التنفيذي او كما عرّفه مختلف تماما عن بقية مكونات الشأن العام.

فمنذ التأسيس مر اتحاد الشغـــــل بعديد التجارب والتيـارات والتوجهــــات والمدارس الاقتصادية وهو ما خلق نوعا من الديناميكية عليه وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار فاتحاد الشغل ليس اطارا يمكن تحليله وفق الآليات المعتمدة في التحليل السوسيولوجي للمنظمات، ليمر بعدها الطاهري الى التأكيد كما كل المتدخّلين على أن العلاقة بين السياسي والاجتماعي في مجال تحرّك الاتحاد مسألة محسومة تاريخيا وان كان هناك جدل بخصوصها فيتم غالبا في علاقة المدّ والجزر بين السلطة والاتحاد والحكم عليه بأنه تجاوز حدود ومجال نشاطه وبصفة عامة دور الاتحاد والتارجح بين المطلبية والعمل السياسي ليس له اتجاه واضح انما يخضع لمنعرجات الاطار التاريخي.

ففي مؤتمر الحزب الدستوري سنة 1963 حين تشكلت المنظمات القومية اعتبر الاتحاد آنذاك ذراعا للحزب واصبح ما يُعرف آنذاك بالمرشدين السياسيين يشرفون على مؤتمرات الاتحاد في علاقة بما تراه السلطة ولكن لم يكن الاتحاد احد ادوات السلطة في تلك الفترة باتم معنى الكلمة فالعلاقة وفق سامي الطاهري كانت قائمة على الاكراه بدليل الانقلابات التي حدثت في ظرف 4 سنوات ومنها الانقلاب على احمد بن صالح الذي كان في زيارة للجزائر بصفته وزيرا في الحكومة وحين عاد وجد امينا عاما آخر مكانه ومن ثم الانقلاب على احمد التليلي بالحبيب عاشور ومن ثم الانقلاب على الحبيب عاشور نفسه بالبشير بلاغة اذ ان هناك صراع استقلالية يخوضه الاتحاد منذ الستينات.

الدور السياسي التاريخي
الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل وفي حديثه عن العلاقة بين الاتحاد والسياسة انطلق من الاستشهاد والتذكير بفرحات حشاد الذي كان خلال سنوات 1951 و1952 قائد الكفاح المسلّح ضد الاستعمار وهو من كلّف احمد التليلي بتجميع السلاح والتمويل وفي 1947 ارسل حشاد المناضلين لفلسطين المحتلة وهو من اعلن الاضراب العام السياسي في 1947 وبالتالي الاطار التاريخي لا يجعل مجالا لخروج اتحاد الشغل من ممارسة السياسية ومن المجال السياسي عموما وهو ما يجعلها محسومة تاريخيا وميدانيا.
فهذا الاطار التاريخي يجعل من طرح موضوع وجدل علاقة الاتحاد بالسياسة عقيما فهو وفق الطاهري امر مفروغ منه وربما الجدل يثار في بعض المراحل التاريخية التي تتازم فيها علاقة المنظمة الشغيلة مع السلطة سواء خلال حكم الرئيس بورقيبة او بن علي او حتى بعد الثورة فالاحزاب التي حكمت على رأي سامي الطاهري تريد ان يكون الاتحاد في حدود المطالب الاجتماعية والمطلبية وذكّر الطاهري بالفترة التي تلت سقوط نظام بن علي مباشرة والتي طالبت خلالها بعض الاطراف بالعودة للمطلبية بعد اعترافها بانه ساهم في الثورة وانجاحها بصفة كبيرة خاصة جهويا.

هل كبح الاتحاد جماح الاسلام السياسي وسهل عودة النظام القديم؟
هل كبح الاتحاد جماح الاسلام السياسي ممثلة في حركة النهضة وسهل عودة المنظومة القديمة بعد الثورة ؟ كان احد الاسئلة المطروحة خلال الندوة والتي اعتبر الطاهري خلال الاجابة عليها ان فيها بعض التعسّف على الاتحاد اذ ذكرّ بمطلب المعارضة المتمثّل في حلّ المجلس الوطني التأسيسي في حين كان مطلب اتحاد الشغل حل الحكومة وأوجد الحلّ في مطلبه وهنا يكمن دور الاتحاد فلو كانت غايته حينها اسقاط المجلس الوطني التأسيسي لذهب في طريق المعارضة وكان للاتحاد المشروعية القانونية والتاريخية لحلّه باعتبار انه تجاوز مدته ولم ينه صياغة الدستور ولكن اتحاد الشغل رأى حينها ان الذهاب في طريق حل المجلس الوطني التأسيسي سيُدخل البلاد في متاهة اخرى وحلقة مفرغة وكانت مسألة التعديل هي خياره وهو تمشّي الاتحاد دائما وهو ما نطلق عليه داخليا بـ»ليس لدينا عداوة دائمة او صداقة دائمة».

الدور التعديلي للاتحاد وتجربة الحكم
ما يميّز الاتحاد عن بقية المنظمات هو دوره التعديلي فالمنظمة من جهة لا تفسح المجال للسلطة للتغول وسلب الحريات وتجنيد المجتمع المدني لخدمة السلطة وهو ما مرّ به الاتحاد في فترة معيّنة وكذلك المشاركة في الحكومات فكما يعلم الجميع اول حكومة شارك فيها الاتحاد عبر احمد بن صالح وكان له اكثر من 17 نائبا في المجلس القومي التأسيسي الذي صاغ اول دستور للجمهورية التونسية وبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي كان برنامج الحكومة الاولى ومن ثمة أسندت إلى بن صالح كل الوزارات الاقتصادية.
وما تعلّمه اتحاد الشغل من تجربة من المشاركة في الحكم ان القرب من السلطة يحرق رغم انه مغري اذ ان السلطة القائمة حينها استغلّت وجود الاتحاد كقوة اجتماعية مشاركة في الحكومة وليس خارجها لسلب الحريّات ومنع التعدّدية الحزبية والسياسية واستبدّت الدولة ووصلت حدّ شخصنتها في شخص الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وتلك احدى فترات المدّ والجزر في تاريخ الاتحاد الذي قام بنقده الذاتي ويعترف بتلك الفترات والاخطاء التقديرية التي قام بها وفق الطاهري.
وتبعا لتلك التجرية حين دُعيت المنظمة الشغيلة للمشاركة في الحكم في الحكومات المتعاقبة بعد الثورة كانت ترفض قطعيّا ودون تردّد واحدثها الدعوة للمشاركة في الحكومة المنبثقة عن اتفاق قرطاج فتجربة المشاركة في الحكم لا يريد الاتحاد اعادتها فتونس تحتاجه كقوة تعديلية حتى لا تميل الكفة لاي اتجاه من الاتجاهات.

دور الاتحاد في المستقبل
الحديث عن دور الاتحاد في المستقبل كان احد النقاط التي طرحها الناطق الرسمي باسمه سامي الطاهري اذ اكد انه سيبقى يلعب في دوره السياسي وخاصة ان البلاد لا تزال تعاني من أزمة حكم وهو ما لا يعني ضرورة ان الاتحاد سيعيد تقديم نفسه كراعي للحوار بين الفرقاء السياسيين فمثلا تجربته ودوره في حوار 2013 كراعي للحوار الوطني ليست ذاتها في الحوار الاخير في قصر قرطاج اذ دعي الاتحاد بشكل مختلف وتفاعل بشكل مختلف وبالتالي لكل سياق ولكل اطار تاريخي مهام يقوم بها.

مهام الاتحاد الاخرى والتجربة التونسية
مهام الاتحاد خلافا للمهمة السياسية تتلخّص في 3 مهام فالخيارات الاقتصادية والاجتماعية للدولة وبعد 6 سنوات من الثورة وفق الطاهري لم تتغيّر وقد صاغ اتحاد الشغل مثلا في هذا السياق مشروع قانون ينظم الاقتصادي التضامني الاجتماعي وقدمه للحكومة وهذه مهمة اولى للاتحاد.

المهمة الثانية هي مهمة انتخابية اذ اكد سامي الطاهري ان المنظمة الشغيلة ستكون متواجدة في الانتخابات البلدية والجهوية والاقليمية باعتبار انها السلطة الفعلية التي اقرها الدستور ويكون من خلالها الفاعل الاجتماعي الحقيقي في ادارة الشان المحلي وتكريس البعد الاجتماعي في ادارة الشان العام المحلي بالاضافة الى تطبيق الخيارات الاقتصادية في المجال المحلّي.

والمهمة الثالثة هي مهام يومية اجتماعية وهي تحسين ظروف العمل والتشريعات المنظمة له والتي يرى الاتحاد ان هناك محاولة حاليا للانقلاب عليها عبر اغراق القطاع العام، وقد خلص الطاهري الى الحديث عن جائزة نوبل التي نالها اتحاد الشغل وطرح النقاش السياسي الدائر على مستوى الاتحاد الدولي للنقابات بخصوص دور النقابات في القرن 21 حول بقاء دورها متلخصا في المطلبية الاحتجاجية على النموذج الفرنسي الاحتجاجي او على النموذج الالماني التشاركي او على النموذج النقابي التونسي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115