في جلسة عامة للتصويت على قرار التمديد لعمل هيئة الحقيقة والكرامة: فوضى عارمة تجتاح مجلس نواب الشعب

• تشابك بالأيدي وعنف وتراشق بالتهم بين نواب الشعب يتسبب في تأجيل الجلسة العامة

فشل مجلس نواب الشعب في الجلسة العامة المخصصة يوم أمس للمصادقة على التمديد من عدمه لاستكمال مهام هيئة الحقيقة والكرامة، وذلك على خلفية احتجاج المعارضة وخلافها مع نواب حركة نداء تونس. هذا الخلاف تطور إلى حد التشابك بالأيدي والتبادل بالتهم والنعوت المهينة في ما بينهم. وبهذا خرجت الجلسة العامة عن السياق في أكثر من مناسبة ما وضع رئاسة المجلس محل انتقاد من قبل المعارضة ونواب حركة النهضة بمحاولة المرور إلى التصويت بالقوة، ليتم تأجيلها إلى يوم غد الاثنين.
من الممكن وصف ما حصل أمس في الجلسة العامة المنعقدة يوم أمس بمجلس نواب الشعب بالحرب الضروس بين الكتل البرلمانية، وذلك على خلفية اعتزام الجلسة المصادقة على استكمال مهام هيئة الحقيقة والكرامة من عدمها. الجلسة العامة شهدت خلافات حادة وتشنجات في سابقة من نوعها، حيث تطورت إلى حد التشابك بالأيدي والتدافع والتراشق بالتهم خصوصا بين الكتلة الديمقراطية وكتلة حركة نداء تونس. الجلسة العامة لم تشهد سواء الصراخ والفوضى ممّا تسبب في ايقافها في أكثر من مناسبة، حتى أن النواب لم يتمكنوا من الوصول إلى مرحلة النقاش العام، أو حتى الاستماع إلى رئيسة الهيئة سهام بن سدرين.

خلاف مفتعل
الخلاف بدا مفتعلا من قبل نواب الكتلة الديمقراطية من أجل تعطيل سير الجلسة وعدم المرور إلى التصويت أو حتى الوصول الى النقاش العام، وذلك لما اعتبروه أن قرار مكتب المجلس السابق بتمرير مسألة التمديد في مهام الهيئة إلى سنة أخرى من عدمها قرار باطل، وجب الطعن فيه. موقف الكتلة الديمقراطية، يعتبر نفس الموقف بالنسبة لكتلتي حركة النهضة والجبهة الشعبية. هذه الكتل تعتبر أن مكتب المجلس لا يحق له التشريع في هذه المسألة بالتحديد، في ظل غياب أي إطار قانوني يحدد إجراءات الجلسة سواء على مستوى النصاب القانوني للتصويت المقدرة حسب المكتب بـ 109 أصوات، أو طريقة طرح السؤال للتصويت وكذلك حول أحقية المجلس النظر في المسألة برمتها.

كواليس مجلس نواب الشعب تعودت على هذه الخلافات كل ما حضرت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة إلى أشغال اللجان القارة والخاصة أو الجلسات العامة. لكن هذه المرة خرج الخلاف عن إطاره الطبيعي، حيث انقسم البرلمان إلى ثلاثة أقسام، طرف أول ضد التمديد في مهام الهيئة ونعني بذلك كلا من كتلة حركة نداء تونس والكتلة الحرة لمشروع تونس، اللتين تسعيان للمرور إلى التصويت باعتباره يأتي في صالحها وذلك من خلال طريقة طرح السؤال المتمثل في «هل انت مع التمديد في مهام هيئة الحقيقة والكرامة». أما القسم الثاني ونعني بذلك كتل حركة النهضة والديمقراطية والجبهة الشعبية التي تطالب بتأجيل الجلسة العامة، لمزيد دراسة الوضع والإطار القانوني لأن قرار مكتب المجلس يعتبر باطلا، في حين اكتفى القسم الثالث المكون من بقية الكتل بالمشاهدة دون تقديم موقف واضح وعدم الخوض في هذه الملحمة.

مأزق سياسي يؤرق مجلس نواب الشعب من جديد، فبعد المحكمة الدستورية، يجد المجلس نفسه أمام إشكال جديد يصعب الخروج منه حتى وإن تم المرور إلى التصويت. فنتائج التصويت لن تأتي بالنصاب المطلوب اي 109 أصوات بالاعتماد على مواقف الكتل المتذبذبة، ففي حالة عدم الحصول على النصاب فإن ذلك يعتبر عدم الموافقة على التمديد في مهام الهيئة.

خلاف حول طريقة احتساب الحضور
بالعودة إلى مجريات الجلسة العامة، فقد انطلقت الخلافات والخصومات منذ بدايتها، وذلك مع إعلان رئيس المجلس محمد الناصر عن العدد الجملي للنواب الحاضرين بالاعتماد على التصويت الالكتروني حسب ما ظهر على شّاشة الجلسة 56 نائبا زائد نائب وحيد محتفظ، في حين أنّ المعارضة تعتبر أن عدد الحضور بالعين المُجرَّدة يتجاوز هذا العدد. وذكر النائب مبروك الحريزي في نقطة نظام أنّ عدم تسجيل الحضور يُعدّ موقفا للكتلة الديمقراطية الّتي تعتبر أنّ تمديد مدّة الهيئة من صلاحيّاتها الحصريّة وليست من صلاحيّات مجلس نواب الشعب. إثر ذلك تناول النوّاب نقاط نظام، أكّد فيها نوّاب حركة النهضة أنّ الجلسة غير قانونيّة طالما أنّ عدد الحضور المُعلن عنه يقلّ عن الثّلث بالاستناد إلى الفصل 109 من النظام الداخلي، فيما اعتبر ممثّلو كتلة آفاق تونس أنّ الجلسة قانونيّة ﻷنّ الفصل المذكور لا يُحدّد الطريقة التي يتمّ بها احتساب عدد الحضور. وبذلك فإنّ الحضور الجسدي للنوّاب دون رفع اليد أو التسجيل بالبطاقة يُعدّ حُضورا.

فوضى عارمة..
وحول طريقة احتساب الحضور، شهدت الجلسة العامة حالة من الفوضى والتشنج، تطورت إلى حدّ التدافع بالأيدي بين النائبين عن الكتلة الديمقراطية مبروك الحريزي وعماد الدايمي من جهة و نواب من حركة نداء تونس، خصوصا بعد تهديد الحريزي رئيس المجلس بإنزاله من كرسيه عنوة واستعمال القوة قائلا «لن تنعقد الجلسة إلا على جثتي». كما طالب نواب كتلة حركة النهضة بإيقاف الجلسة التي تعتبر على حد تعبيرهم غير قانونية.

وبعد جدال واسع، تم رفع الجلسة العامة إلى حين انتظار التحاق النواب، لتستأنف الجلسة العامة أشغالها من جديد مع تجدد حالة الفوضى من جديد مباشرة مع انطلاق رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين في القاء كلمتها من أجل تقديم أسباب طلبها التمديد في مهام الهيئة. لكن في المقابل، لم تستطع بن سدرين حتى الإفصاح عن جملة وحيدة، نتيجة الفوضى والضجيج الذي أحدثته النائبة عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو، على خلفية رفض رئيس المجلس منحها نقطة نظام.

انسحاب بن سدرين
سامية عبو تمسكت بحصولها على نقطة نظام حتى أنها لم تمكن سهام بن سدرين من إلقاء كلمتها مما اجبر هذه الأخيرة على التوقف أكثر من مرة، واصفة في قولها رئيس المجلس بالمستبد ولا مكان له في المجلس، مع توجيه بعض العبارات إلى نواب كتلة حركة نداء تونس. رئيس المجلس بدوره رفض منح نقطة النظام ليلتحق بقية نواب كتلتي الديمقراطية والنهضة بموجة الاحتجاجات من خلال الضرب على الطاولة لإحداث الضجيج. وقال محمد الناصر أن ما يحصل يعتبر إخلالا بالنظام وسير الجلسة، مطالبا في ذلك رئيسة الهيئة بإلقاء كلمتها والتغافل عن الفوضى. لكن بن سدرين فضّلت الانسحاب من الجلسة العامة متسببة بالفوضى الحاصلة، لكن يبدو أن نيتها حسب ما صرح به نواب حركة نداء تونس مزيد تعطيل الجلسة العامة والسعي إلى إيقافها. وقالت بن سدرين عقب خروجها أن الهيئة ليست طرفا في هذا الصراع، خصوصا وانه تم اتخاذ قرار التمديد من قبل مجلس الهيئة والنواب لهم حرية التصويت. وشددت بن سدرين على أن الهيئة تحترم المؤسسة التشريعية الملتزمة باحترام العدالة الانتقالية.

عودة الخلافات وايقاف الجلسة من جديد
ومع خروج بن سدرين من قاعة الجلسة، أعطى رئيس المجلس الكلمة للنائبة عن كتلة حركة نداء تونس هالة عمران في إطار النقاش العام، التي ساهمت بدورها في تأجيج الأوضاع بعدما اعتبرت أن هناك من النواب من يدافعون عن مصالحهم الشخصية وعن شخص سهام بن سدرين، ولا يدافعون مقابل ذلك عن هيئة الحقيقة والكرامة. واعتبرت أن ما افتعلته المعارضة يعتبر «عارا»، وذلك في سعيهم إلى بث الفوضى من أجل الانقلاب على الديمقراطية وقرار مكتب المجلس.

مع إكمال عمران كلمتها، طلب رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري نقطة نظام حمّل فيها رئيس المجلس المسؤولية التامة لما يحصل بعدما تعمد عدم إعطائه الكلمة عل حد تعبيره، مطالبا برفع الجلسة من أجل التشاور. في حين اعتبر رئيس كتلة حركة نداء تونس سفيان طوبال أن ما حصل يعتبر سابقة خطيرة، لأن هناك أطرافا تسعى إلى تخريب الدولة و«تشليكها» على حد توصيفه. رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق بدوره أعلن عن موقف كتلته الرافض لقرار المكتب معتبرا أن الإشكال سياسي وقانوني بامتياز. ومع ذلك لم يمنح الناصر نقطة نظام إلى سامية عبو، بتعلة أن رئيس كتلتها غير موجود.

تأجيل الجلسة بشروط..
وبعد انقطاع لقرابة ساعتين عادت الجلسة العامة من جديد، من خلال إعطاء الكلمة إلى رؤساء الكتل، حيث اعتبر نور الدين البحيري أنه لا يمكن استكمال الجلسة العامة وسط هذه الأجواء المشحونة، مشيرا إلى أن الخلافات تحكمها القوانين والأغلبية، داعيا في ذلك الى تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق يتم التوافق حوله، وهو نفس الموقف الذي تبنته الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية. لكن في المقابل، اعتبر سفيان طوبال رئيس كتلة حركة نداء تونس وايضا النائب عن كتلة الحرة لمشروع تونس حسونة الناصفي أن طلب التأجيل يمكن قبوله إذا تم الالتزام بعقد الجلسة يوم الاثنين فقط لا غير، مع اشتراط عدم الخوض مجددا في النقاش حول قانونية الجلسة من عدمها والتفاصيل التي تم الحديث عنها سابقا.

رئاسة مجلس نواب الشعب رأت نفسها مجبرة على قبول مقترح رؤساء الكتل بتأجيل الجلسة العامة الى يوم غد الاثنين واستدعاء رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين من جديد، وتجنب الانتقادات القائلة بمحاولة دفع المسألة برمتها بالقوة في الجلسة العامة. لكن يبدو أن الخلاف سيتجدد في الجلسة القادمة باعتبار أن الكتل الرافضة لمبدأ التمديد لا تسعى إلى إعادة طرح الخلاف القانوني والسياسي من جديد، بل تطالب بمواصلة الجلسة العامة باعتبارها قد انطلقت فعلا ولا مجال لمزيد من التأجيل، على عكس بقية الكتل التي تسعى إلى مزيد التعطيل والبحث عن مخرج من أجل إيقاف الجلسة العامة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115