شكل انتخاب محمد التليلي المنصري رئيسا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل مجلس نواب الشعب جدلا بين الكتل البرلمانية من ناحية، وبين الأحزاب السياسية من ناحية أخرى، وأيضا صلب مجلس الهيئة في حدّ ذاته. بداية الجدل انطلقت من قبة البرلمان، خلال سير عملية التصويت صلب الجلسة العامة المنعقدة أول أمس، بعدما صوتت النائبة عن الكتلة الوطنية ليلى أولاد علي في مناسبتين، الأمر الذي جعل نتائج التصويت محل شك من قبل المعارضة وطعن لدى الكتل التي لم تساند المنصري في ترشحه.
بين الكتل البرلمانية
لا يزال الجدل متواصلا في أروقة مجلس نواب الشعب بين الكتل البرلمانية حول كيفية انتخاب رئيس الهيئة خصوصا بين كتلتي الجبهة الشعبية والحرة لحركة مشروع تونس الذين عبروا عن احترازهم بخصوص عملية انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، معبرين عن عدم رضاهم بما أقره اجتماع رؤساء الكتل ولجنة الفرز، للحسم في مسألة تصويت النائبة ليلى أولاد علي مرتين، وإقراره تشكيل لجنة للتثبت في وجود نواب آخرين قاموا بالتصويت أكثر من مرة من عدمه، ومن ثمة موافقته على اعتماد نتيجة العملية الانتخابية، مع حذف صوت واحد للمتحصل على أكثر الأصوات، بعد أن توصلت لجنة التثبت إلى أن النائبة ليلى أولاد علي هي الوحيدة التي قامت بذلك.
الخلافات لم تقتصر على مجلس نواب الشعب بعد، فبدورهم أعضاء هيئة الانتخابات أبدوا عدم رضاهم على انتخاب المنصري رئيسا لهم وللهيئة، وذلك يتضح من خلال البيان الصادر عنهم، الذي كان من المفروض أن يصدر قبيل انعقاد الجلسة البرلمانية لانتخاب رئيس الهيئة. إلا انه وقع العدول عن ذلك بعد تراجع عضوين من أصل ستة أعضاء وهما نجلاء بن براهم وبوبكر بن عسكر. وجاء في نص البيان أنه بالتزامن مع الجلسة العامة الانتخابية لانتخاب رئيس الهيئة فإن الأعضاء يعبرون عن تخوفهم بخصوص استكمال المسارات الانتخابية المقبلة. وإذ يعتبرون أنّ منصري، لا يمتلك القدرات الكافية التي تبوّؤه لشغل هذا المنصب تبعا لعدم امتلاكه لقدرات التواصل سواء كان ذلك مع أعضاء مجلس الهيئة أو مع كافة المتدخلين في الشأن الانتخابي من فاعلين سياسيين ومنظمات محلية ودولية. كما ذكروا تميّزه باللاّمبالاة وعدم الاهتمام بالشأن الانتخابي وبأولويات المرحلة إضافة إلى عدم وعيه بحجم المهام الموكلة للهيئة وانعدام متابعته لتقدّم المسارات الانتخابية ومسار بناء القدرات المهنية للإدارة التنفيذية. بالإضافة إلى أنه غير مواظب على الحضور في جلسات وأعمال مجلس الهيئة بما يؤكّد أنّه لا يمثّل رجل المرحلة على المستويين الانتخابي والإداري بموجب عدم حرفيّته ودرايته بخصوصيات العمل داخل الهيئات المستقلّة على حد تعبيرهم.
خلاف داخل المجلس الهيئة
لكن في المقابل، يبدو أن مجلس الهيئة الآن انقسم إلى شقين، الشق الأول صاحب البيان، في حين ينحصر الشق الثاني في المناصرين للمنصري، خصوصا بعد تصريح العضو فاروق بوعسكر لإحدى الإذاعات أنه وإن وُجدت خلافات ومشاكل داخلية صلب الهيئة فإنها لا ترتقي إلى المس من نزاهة العملية الانتخابية. كما أضاف بوعسكر إن رئيس الهيئة الجديد والذي انتُخب يوم أمس في مجلس نواب الشعب دوره توحيد صفوف أعضاء الهيئة ورفع كل لبس أو غموض حول ترشحه لرئاسة الهيئة، مشيرا إلى أن الرئيس المنتخب لم يكن من الناس الذين تمتعوا بثقة الأعضاء للترشح لرئاسة الهيئة، لكنه أمام مهمة تتمثل في التعامل مع أعضاء الهيئة برحابة صدر، في المقابل، فإن أعضاء الهيئة سيتعاملون مع الرئيس المنتخب بالرغم من عدم الرضا.
منظمات المجتمع المدني المختصة في الشأن الانتخابي بدورهم أعربوا عن استغرابهم لما حصل أثناء عملية التصويت، حيث تساءلت الجمعية التونسية من اجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات «عتيـــد» عن كيفية عدم تفطن لجنة الانتخاب والفرز بمجلس نواب الشعب لتصويت نائبة مرتين، مطالبة في ذلك رئاسة مجلس نواب الشعب بالقيام بتحقيق مستقل وإجراء تدقيق لعملية التصويت لانتخاب رئيس الهيئة والقيام ببحث للتثبت من إجراءات العملية الانتخابية والاخلالات التي قامت بها لجنة الانتخابات والفرز وذلك حفاظا على مصداقية وشفافية العملية الانتخابية. كما أكدت الجمعية على وجوب مشاركة المجتمع المدني في هذا التدقيق لتدارك وتفادي مثل هذه الإشكاليات.
تحد أمام المنصري
محمد التليلي المنصري الذي لا يزال غير معروف لدى الرأي العام، يبدو أنه أمام مهمة صعبة اليوم في كيفية كسب توافق مجلس الهيئة وتمكنه من إدارة الهيئة بأكملها سواء على مستوى الهيئات الفرعية أو الإدارية، والأهم خصوصا التحدي المطروح في الاستعداد للانتخابات الجزئية التشريعية في ألمانيا، وأيضا الانتخابات البلدية والجهوية. وفي هذا الإطار، اعتبر المنصري أن أولويات العمل المطروحة اليوم هي إعادة الثقة في الهيئة التي اهتزت صورتها نوعا ما في الفترة الأخيرة فضلا عن إنجاح الانتخابات التشريعية الجزئية لمقعد ألمانيا وانجاز الانتخابات البلدية في مارس 2018 واستكمال كل ما يتعلق بالمسار الديمقراطي. وأضاف المنصري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء انه ليس له أي إشكال مع أي عضو من أعضاء الهيئة كما أن التعامل بين كافة الأعضاء يتم في كنف الاحترام مؤكدا على أن المسائل الخلافية التي تطرأ لا تخرج عن إطار الاجتهادات في طرق العمل وانه سيعمل على لم شمل أعضاء الهيئة. وأفاد انه سيتم النظر في مسالة إنهاء عدد من الوضعيات الهشة لبعض الموظفين الى جانب النظر في موضوع الخطط الشاغرة، مشيرا إلى برمجة انتدابات للإدارة المركزية بالهيئة لعدد من الخطط القارة على غرار إدارات التكوين والشؤون القانونية والعمليات والتي بلغت ملفات الترشح اليها 450 ملفا.
تجديد الثلث
من جهة أخرى، لم يتغافل المنصري عما دار حوله وقيل قبل الجلسة العامة، حيث اعتبر انه لا يتدخل في طريقة انتخابه للهيئة التي ضبطها القانون والتي تفرض توافقا للوصول إلى 109 أصوات وفق تعبيره. وبين أن الهيئة ستنطلق في إجراءات القرعة للتجديد الثلثي لأعضائها مباشرة اثر القيام بإجراءات التسلم والتسليم مع الرئيس السابق شفيق صرصار مؤكدا أن هذه الإجراءات ستشمل 6 أعضاء بمن فيهم الأعضاء المنتخبون الجدد وفق ما تضمنه الرأي الاستشاري للمحكمة الإدارية.