في أوهام «الاسلام المعتدل»... أيهما أسبق، الفهم أم الحفظ؟

يبدو أننا لم نخرج بعد بالكلية من معارك الهوية التي جدّت ببلادنا خلال السنوات الثلاث الأولى للثورة وإن كانت حدّتها اليوم لا تقارن بالمرة مع ما حصل في ماضينا القريب جدا... ولكن تبقى الدوافع هي هيَ حتى وإن تلونت

واتخذت من مسوح «الوسطية» و»الاعتدال» رداء لها...

معركة الأسلمة الناعمة
من بين هذه المعارك الجديدة مسألة تحفيظ القرآن للأطفال التي أطلقها وزير الشؤون الدينية، فيما أطلق، وتلقفها وزير التربية باتجاه احتوائها داخل أطر مدرسة الجمهورية...

والجدير بالذكر أن حملة الأسلمة الناعمة التي نراها اليوم تطلق من مواقع شتى لم تقتصر على فكرة تحفيظ القرآن للأطفال بل اتخذت مظاهر أخرى كمسألة إحداث صندوق للزكاة وتخصيص فصول مطوّلة للمالية الإسلامية في مشروع قانون البنوك وعودة فكرة المنتوجات «الحلال» والخدمات أيضا كما السياحة...

ولكن يبدو أن مسألة تحفيظ القرآن للأطفال هي المسألة الأكثر حساسية لارتباطها بالكتاب العزيز من جهة وبأطفالنا من جهة أخرى...

في البداية نقول ونؤكد بأنه لا شيء يمنع تحفيظ القرآن للأطفال ولغيرهم بل وفيه فوائد جمّة، علاوة على الجانب التعبدي، وهي الدخول في المناخات العميقة للغة العربية وإذكاء ملكة الحفظ عند الصغار...

وكل هذا لا يحتاج إلى سياسة دولة بل هو موكول لرغبة العائلة والطفل على حدّ سواء.. ولكن لا ينبغي أن نكون ملائكيين وألا ندرك بأن تحفيظ القرآن للأطفال يقدم ضمن رؤية مفادها أنه لمقاومة الإرهاب التكفيري لا بد من تشجيع الإسلام «المعتدل» ومن إحياء «معالم الدين» حتى لا يجد الإرهابيون حججا إضافية لغسل عقول شبابنا ولاحتوائهم في تنظيماتهم الإجرامية...

هذه الفرضية هي التي يجب أن نناقشها بكل هدوء وبعيدا عن افتعال معارك قاتلة حول الهوية...

في الاسلام الزيتوني..
بداية ما هو هذا الإسلام «المعتدل» الذي سنقاوم به إسلام غلاة التكفيريين والإرهابيين؟ سوف يُقال لنا: الإسلام التونسي الزيتوني.. ونعيد سؤالنا: ما هو هذا الإسلام التونسي الزيتوني؟ وهل هو موجود أصلا أم أنه جزء من ماضينا القريب ليس إلا؟..

عندما نتحدث عن الإسلام الزيتوني فنحن نتحدث عن المؤسسة الدينية الرسمية التي صاغت معايير ما يُسمى بــــ»الإسلام العالم» (L’Islam Savant) منذ قرون وإلى أواسط القرن الماضي... وهذا الإسلام الرسمي كانت تنتجه أرستقراطية علمية تتوارث أهم وظائفه القضائية والتعليمية جيلا عن جيل.. واعتداله المفترض لا ينبع بالأساس من الأفكار التي يروج لها بل من الطبقة الاجتماعية التي كانت حاملة له.. فالاعتدال والتمدن وحبّ الحياة وشيء من الانفتاح على الحداثة لم يكن سمة الإنتاج الفكري فقط عند بعض المشائخ المستنيرين بل سمة نمط الحياة الأرستقراطية المدينية الدينية.. ورغم وجود شخصيات بارزة منذ نهايات القرن التاسع عشر وإلى حدود الفترات الأولى للاستقلال بلورت أفكارا دينية فيها شيء من الانفتاح والتحرر ولكن هذا لم يكن السمة الطاغية على المؤسسة الدينية والدليل هو محاربتها العنيفة للأفكار .....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115