قراءة لأداء الحكومة على خلفية ملف الطاقة : شهد عليها شاهد من أهلها !

دون أن ننجرّ وراء «الجوقات» المتسرّعة، أو الموظّفة، الّتي تُثار بين الفينة و الأخرى حول قضايا

تسترعي اهتمام الرأي العام في ما يتعلّق بالإدارة والتصرف في المال العام ، نقف اليوم إزاء حدث إقالة عدد من كبار المسؤولين في وزارة الطاقّة من بينهم الوزير وكاتب الدولة للمناجم ، في محاولة لقراءة شاملة للإطار العام للملف الذي عُهد ببعضه لهيئة الرقابة العامّة للمصالح العمومية و هيئة الرقابة العامّة للمالية بغاية إجراء تحقيق معمّق في الموضوع ، في حين تعهّد القضاء بالتحقيق في جانب آخر متعلّق بكاتب الدولة للمناجم . 

والالتزام بمقولة «الصوف يتْباع بالرزانة» مردّه اكتشاف فراغ العديد من الملفات الّتي فُتحت ،من أي سندات تدين من وقع تتبعهم وتمّت إثارة الحملات ضدّهم إلى حد التشهير بهم، ولكن إنتهت بحفظها قضائيا ، أو طُوي بعضها بتوقّف الإجراءات أو الحديث عنها دون أي متابعة أوإفادة. كما أن عدم المسك الفعلي بكل خيوط الملف و خلفياته السياسية ورصد ما خفي من أغراض و دوافع ،يقتضي تجنّب التسرع في إصدار الأحكام المسبقة والجزم بما هو غير ثابت.

ففي حقيقة الأمر ،يشكل ملف الطاقة أهمية كبرى في الاقتصاد التونسي لما يترتب عنه من آثار على المالية العامة، و هو ملف متشعب ومحكوم بعدّة آليات موزعة بين مختلف مصادر الطاقة ومحط استثمار و استغلال بين الدولة والخواص ضمن أطر قانونية بعضها محيّن وبعضها الآخر رهن نصوص وقوانين قديمة، ويبدو دائما أنه يعالج في فلك مغلق يغلب عليه التكتم وينفلت من متابعة عامة الناس و يصعب ولوجه من الخاصّة أيضا.

هذا العالم المنغلق رغم أهميته ، يمكن أن يستعصى عن عامّة الناس، و لكن يكون محل متابعة لصيقة من الماسكين بالسلطة و المتابعين عن كثب لبورصة الذهب الأسود ، لذلك يثور الاستغراب ، عندما يصرّح أهم مصدر حكومي أنه اكتشف الملف بالصدفة ، ثم يقع تأجيج الزوبعة و تنظيم مخرجاتها إعلاميا ،بالرغم من أن الحكومة و هيئاتها الرقابية المتعدّدة والمختلفة ، بتشكيلاتها المتعاقبة منذ 2010 ، هي المسؤولة عن التصرف في مصدر هذه الثروة، و هي المتابعة لمختلف تعهدات الدولة و علاقاتها التعاقدية ، والساهرة على ضمان مصلحة الدولة وحماية ثرواتها و المطالبة بحسن استغلالها.

كما يثير الاستغراب الإعلان عن تشكيل لجنة خبراء لدى رئاسة الحكومة لإعادة هيكلة وزارة الطاقة و مراجعة حوْكمة قطاع الطاقة، و الحال أن الإعلان عن القيام بهذه الإجراءات، يشكّل إقرارا ضمنيا بأن إحداث وزارة للطاقة وقبلها وزارة للحوكمة الرشيدة ، لم يتمّ استنادا لدراسة جادّة لجدوى الهيكلين المذكورين ، وأن ما حصل هو مجرّد الإيهام بإحداث تغيير في كيفية التسيير والتصرف، و ليس مؤسّسا على رؤية إستراتيجية متكيّفة مع مقتضيات العولمة والإدارة الرشيدة.

ولا يتوقّف الأمر على كشف الخلل في الحكومة ومختلف هياكلها الإدارية والرقابية فقط، بل حتى في «ترسانة» المستشارين القانونيين والماليين في مختلف هياكل الدولة بما في ذلك رئاسة الجمهورية، و أيضا في دائرة المحاسبات ومختلف هياكل التدقيق الّتي تتابع شروط تطبيق مختلف العقود.
لقد كشفت الحكومة دون قصد، مواطن الخلل في آليتها الخاصة و آليات الدولة ، و أقرّت بنقص كفاءاتها، وبثت التخوّف و ربّما الهلع ممّا خفي ، وأكدّت إلى حدّ ما، وجاهة «الحملات» حول البترول والفسفاط والملح و حجر الشست وغيرها، وأعطت الانطباع بأنها غير عارفة بشؤونها.

كما أكّدت الحكومة بما اتخذته من قرارات أن مقاومة الفساد لا تكون في القيام بعملية أو عمليتين سنويا أو بإنشاء هيئة أو مرصد، و إنّما في وضع آليات قانونية ناجعة و هياكل رقابية متخصّصة تحدّ من الفساد في أي ميدان كان .

لا نريد الخوض في ما يقال عن التوظيف السياسي لما قام به رئيس الحكومة ، ولا عن الرسائل المشفرة الّتي أراد الشاهد توجيهها، ولا الحكم على النوايا أو إصدار الأحكام المسبقة ولا البحث عن كبش فداء. كما لا نريد التخمين في مستقبل مشروع المستثمر وفي ما تمّ تخطيطه لإيجاد مخرجاته، ولكن يمكن أن نؤكّد أن الملف سيكشف العديد من الخفايا إذا تمّ التعامل في مجرياته بالحيطة والحرص اللاّزمين لكشف الحقائق والملابسات. و ما يقع تداوله هنا وهناك، لا ينبني على عدم، و حتّى وإن كان كثيره زيفا ، فإن بعضه في صميم الواقع والحقيقة ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115