على هامش: نتائج الدورة الرئيسية للباكالوريا في ضعف مردودية منظومتنا التربوية

تمكن يوم أمس حوالي أربعين ألف تلميذ من الحصول على شهادة الباكالوريا منذ الدورة الرئيسية

في انتظار دورة التدارك وكانت نسبة النجاح الإجمالية في حدود %30.9 ولكن لو رمنا تقييما دقيقا للنتائج ولمردودية منظومتنا التربوية ينبغي علينا أن نقف عند النسب التي حققتها المدارس العمومية لأن جل مؤسسات التعليم الخاص في الثانوي مازالت في بلادنا ضعيفة المردود (دون%6 من نسبة النجاح) وذلك لأنها في الأغلب الأعم تتكون من التلاميذ الذين لم يتمكنوا من مواصلة عادية لدراستهم. فهنالك ولاشك بعض المؤسسات الخاصة ذات المستوى المرتفع ولكن يبقى ذلك هو الاستثناء في التعليم الثانوي على عكس ما هو حاصل في الابتدائي أو حتى في الإعدادي ..
في نظرة أولى يمكن أن نقول أن نتائج الدورة الرئيسية في الباكالوريا بالنسبة للمعاهد العمومية تتميز بنظرية الأضلع الثلاثة : ثلث الناجحين (%35.1 ) وثلث من المؤجلين (%35.7) وثلث من المرفوضين (%29.2)

وللعلم فنحن لسنا أمام مناظرة بل أمام امتحان أي أن شرط النجاح هو فقط الحصول على المعدل فقط لا غير وأن الفرق الوحيد هو أن التلاميذ يجدون أنفسهم أمام نفس الامتحانات ورغم ذلك فحوالي ثلثيهم لا يتحصلون على المعدل (مؤجلون ومرفوضون) وثلثهم نتائجهم ضعيفة للغاية ولا تخول لهم التمتع بالإسعاف لدورة التدارك .
وهذا يعني أن مؤسساتنا العمومية لا تهيئ جلّ التلاميذ الذين يرتادونها إلى حدود السنة النهائية من التعليم الثانوي لإمكانية الحصول على المعدل وأن الانتقال من قسم إلى آخر على امتداد دراسة هؤلاء لا يعني حصول المرتقين على الحد الأدنى من المعارف والمكتسبات . ونحن هنا لا نتحدث عن المنقطعين عن التعليم والذين يتجاوز عددهم مائة ألف سنويا وان هذا الوضع هو وضع نظامنا التربوي منذ أكثر من عقدين من الزمن ..

ونحن نقيم هنا مردودية نظامنا التربوي من داخلها لا مقارنة بما يجري في العالم ولا نتحدث عن قيمة شهادة الباكالوريا ولا عن قدرتها التنافسية مقارنة بنظيراتها في العالم ..
في تونس أكثر من نصف التلاميذ لا يتمكنون من الحصول على شهادة البكالوريا بينما تتجاوز هذه النسبة %90 في بعض الدول ..
عندما نتحدث عن الإدماج الاجتماعي وعن صعوباته لكي لا نقول إخفاقاته فنحن هنا أمام احد أهم عناصر هذا الإخفاق ..

ويتعمق هذا الإخفاق الجماعي عندما ننظر إلى التوزيع الجهوي للنتائج فنرى أن 11 ولاية هي دون عتبة %25 من نسبة الناجحين ولا غرابة أن نجد ضمن هذه الولايات كل ولايات الوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين ) وجلّ ولايات الشمال الغربي (سليانة والكاف وجندوبة) وأربع من ولايات الجنوب (توزر وقفصة وقبلي وتطاوين ) بالإضافة إلى ولاية زغوان ..

كما لا غرابة أن نجد أن الولايات التي تسجل أفضل النتائج هي ولايات الشريط الساحلي بدءا بصفاقس وصولا إلى نابل مرورا بأريانة والمنستير وسوسة وتونس وهي الولايات الوحيدة التي تجاوزت فيها نسبة النجاح %40..
ونحن هنا لا نملك إلا الإحصائيات العامة جدا ولكن التفاوت أهم بكثير عندما ننظر إليه من زاوية المعتمديات ثم عندما ننزل إلى كل معهد على حدة كما أن التفاوت يتعمق كلما نظرنا إلى نوعية النجاح (أي المعدل) وما يسمح به هذا النجاح من اختيارات بالنسبة لأصحابه غدا في التوجيه الجامعي ..

نعلم منذ سنين طويلة أن نسبة المتميزين جدا أي القادرين على التسجيل في كبريات المؤسسات الجامعية الأجنبية لا تتجاوز %1 وأن فقط %10 من الناجحين هم الذين سيوجهون إلى الشعب ذات التشغيلية الكبرى والتي تسمح لمن تفوق فيها بإمكانية بناء مستقبل مهني جذاب وأن جلّ هؤلاء هم من أبناء الفئات الاجتماعية ذات المستوى المادي والمعرفي المرتفع . بينما لا تسمح الباكالوريا ولا حتى الشهائد الجامعية لعدد هام من بناتنا وأبنائنا من وجود الشغل اللائق حتى أصبحنا أمام مفارقة قل وجودها في العالم : الحاصل على شهادة جامعية معرض للبطالة ثلاث مرات أكثر من الذي لم يحصل عليها !!

يبدو أننا لا نريد أن نفهم في تونس حكومة ونخبا وشعبا أن ازمة المدرسة هي أولا وقبل كل شيء غياب تساوي الفرص فيها والتفاوت المجحف فيها بين الفئات والجهات وانه دون معالجة هذا الحيف لا سبيل للنهوض بجودة التعليم وان كل الدول التي راهنت على تميز المؤسسة التربوية راهنت منذ البداية على التقليص من التفاوت المدرسي لا لكي نصبح كلنا سيئين أو متوسطين بل ليصبح جل أبنائنا متفوقين وممتازين ..

هذا ما حصل في بعض البلدان الأسيوية كسنغفورا وكوريا الجنوبية واليوم في الفيتنام والأمس في اليابان فنهضت كل هذه الدول وبزت الدول الغربية في الابتكار وفي صناعة الذكاء .. بينما اكتفينا نحن بمنظومة كنا نخالها متفردة عربيا وافريقيا لكن الواقع هو غير ذلك بالمرة .. مدرستنا تمييزية ولم تعد توفر إمكانية التفوق والتألق لأكبر عدد ممكن فاستعاضت العائلة التونسية عندما تتوفر لها الإمكانيات المادية عن المدرسة العمومية بالمدارس الأجنبية وبالمدارس الخاصة في التعليم الابتدائي ثم بمنظومة الدروس الخصوصية بينما اكتفت الدولة بتوفير حوالي %2 من المقاعد لتلاميذ النخبة في الاعداديات والمعاهد النموذجية ..
ما يحصل اليوم داخل المدرسة التونسية هو جريمة في حق البلاد ولكنها جريمة تفرقت دماؤها بين كل «قبائل» البلاد وتواطأ الجميع على انكارها ..

إن التفوق المدرسي لا يمكن ان يكون فقط سياسة عمومية انه اختيار مجتمع بأسره قائم على التمازج الاجتماعي والجهوي وعلى اعلاء مكانة المربي ماديا ومعنويا وتكوينه الأساسي التكوين الأفضل ثم توفير أفضل الكفاءات للتلاميذ الأقل حظا..
نبدأ في النهوض بالتعليم عندما نوجه المتميزين في الباكالوريا إلى الشعب النبيلة الوحيدة : تكوين المعلمين والأساتذة أساسا .. أما لو واصلنا على نفس هذا المنهاج فسيكون مستقبل البلاد أسوأ من حاضرها .. حاضرنا كما تعلمون ليس في أفضل حال .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115