أمام تشعب مسارب «وثيقة قرطاج 2»: ثانوية الأولويات في معادلات المستقبل ؟

عرفت تونس منذ جانفي 2011 العديد من وثائق الاتفاق حول أرضيات فرضتها أجندات انتقالية بهدف تجاوز «مآزق» سياسية

واجتماعية مهدّدة للسلم الاجتماعية أو مشرفة على التصادم أو القطيعة.

و إن تعدّدت التسميات ، فإن الغاية من عناوين الاتفاقات أو الوثائق هي محاولة استيعاب القصد العام الّتي تطمح الأطراف الاجتماعية والسياسية إلى تحقيقه، و قد توزعت هذه التسميات إمّا على هياكل (الهيئة ، الهيئة العليا ، اللّجنة ، الجهة....أو على وثائق (الميثاق ، خارطة الطريق ، وثيقة قرطاج ...) وآخرتها وثيقة قرطاج 2 ، الّتي ما زالت الأطراف المنخرطة فيها تنسج خيوطها الأخيرة صلب لجنة «الخبراء» ، تحت أنظار ورقابة رئاسة الجمهورية.

و بما أن الأمر يتعلّق بإعداد وثيقة توافقية وتجميعية ، فإن الأستاذ محمّد الباجي قائد السبسي، خبر في مجال التحكيم و المصالحة سبل الحوار و تفكيك عناصر الخلاف و البحث عن الحلول الوسطى ، لذلك يسعى إلى أن تكون وثيقة قرطاج 2 خالية من النقاط الخلافية .

هذا التمشي يقود إلى حسم بعض النقاط الخلافية و لكن دون تفصيل، و ذلك مخافة أن يؤدي النقاش في التفاصيل إلى نشوب خلافات، أو إلى تحديد التزامات أو تعهدات ، يُخشى عدم تحقّقها بحذافيرها ممّا قد يورّط السلطة في المستقبل القريب. من هنا نلاحظ الميل الدّائم إلى تعهدات ذات صبغة عامّة ، تتوفر فيها المخارج وإمكانيات «الترحيل» أو التأجيل .

و عندما تنعدم الرؤيا بخصوص بعض النقاط الخلافية ، و إحتمال تعميق الخلافات، فإن رئيس الجمهورية يخيّر حذفها تماما أو فصلها عن الوثيقة الّتي هي بصدد الإعداد .

فمسألة تعديل الفريق الحكومي أو تغييره بعد بروز مواطن فشله في معالجة الأوضاع، تبدو محسومة و لكن هناك اتجاه نحو تركها محل نظر الأحزاب ، و هو ما يعني سياسيا اعتبار المنظمات المنخرطة في الوثيقة ليست معنية بتركيبة الحكومة أو بالتدخل في تشكيلها بصورة مباشرة يقع تدوينها ضمن بنود ملزمة ، و إنما في هامش آخر ، و هو ما يتلاءم مع «صوت» حكومي واضح و دون مراوغة وبلهجة تبدو حاسمة . ولكن يطرحها رئيس الجمهورية بلهجة المحنّك ، لأنه على دراية بتداعيات ومخاطر خروج المنظمتين من نطاق الوثيقة، لذلك نراه يردّ بالثناء على مجهودات الحكومة دون أن يستعمل نفس لهجة الحسم الّتي ظهرت في تصريحات السيد المهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.

والملاحظ أنه يوجد اتفاق أو تناسق في التصريحات بخصوص التأكيد على أن المهم هو الاتفاق على الأولويات ،على أن تبقى مسألة الحوار حول الأشخاص محل نظر في مرحلة لاحقة، و في ذلك تغليب للمنطق في الظاهر ، ولكن يشكل هذا في الحقيقة منفذا يريح الجميع، لأنّه يترك باب الشروط مفتوحا لوضع الشروط الّتي ستحكم تشكيلة الحكومة الّتي ستدير الأمور إلى حين 2019. و أهم شرط هو التعهّد بعدم الترشح للاستحقاقات القادمة سواء كانت تشريعية أو رئاسية ، وهي نفس الشروط الّتي حكمت خريطة الرباعي الراعي للحوار في فترة آخر حكومة مؤٌقتة الّتي ترأسها المهدي جمعة .

هذا الشرط سبق تداوله عند تعيين الشاهد و كان محل حملة إعلامية، تجند فيها السياسيون دون الحسم فيه باعتباره كان سابقا لأوانه. ولكن لم يقع التخلّي عنه خاصة من حركة النهضة، الّتي بقيت تراقب وتتابع طموحات رئيس الحكومة الشاب بحذر في انتظار حلول الوقت المناسب للتعبير عن موقف واضح وحاسم .
من هنا نفهم أن محتوى وثيقة قرطاج لم يعد مرتبطا فقط بالأولويات الّتي ستساعد على الخروج من أزمة البلاد ، و إيجاد الحلول للمحاور الرئيسية التّي تتناول أساب الأزمة ، بل أصبح متصلا بتسطير مسار بقية المدّة الّتي تفصل البلاد عن انتخابات 2019.

من هنا جاء الحذر و احتاجت المسألة مزيدا من التروّي لدراسة كل المخرجات لبقية المدّة النيابية الّتي هي محط نظر حزبيْ الأغلبية بالخصوص. لذلك يبدو رئيس الجمهورية أمام رقعة دقيقة المسارات، وظهرت الحكومة محورا مركزيا في مختلف المعادلات سواء تعلّق الأمر بدوائر الشاهد نفسه أو بدوائر رئاسة الجمهورية وخاصة الشخصيات الّتي لها طموحات في المستقبل ، أو بقيادة نداء تونس الحالية، أو حركة النهضة و بقية الأطراف الطامحة للسلطة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115