بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية: الأنظار تتحول إلى رهانات التحالفات (المشهد الثاني )

رغم أن النتائج المعلنة عن الانتخابات البلدية كانت واضحة الدلالات في الرسائل الموجهة

من الناخبين أو المتخلين عن ممارسة حقهم الانتخابي إلى مختلف الأطياف السياسية ، فان حزبي الأغلبية الحاكمة النهضة ونداء ، بدوا غير مسلّمين بفشلهما في الأداء السياسي خلال فترة حكمهما التوافقي، وفي تزايد عدم الثقة في التصورات التي يطرحانها.
و لو أن العملية الانتخابية أكدت مرّة أخرى نجاح تونس في خطواتها الأولى في وضع إحدى الآليات الأساسية في الديمقراطية التمثيلية ، فإن معضلة العزوف عن المشاركة في الانتخابات ظلت قائمة و كشفت الانتخابات البلدية الأخيرة أن المشاركة في الشأن العام لم تجلب فئات واسعة من الشباب و لم تدفع حوالي 65 % من الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي إلى الإقبال على صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم الأقرب لهم في ممارسة السلطة المحلية.

لم تنفع التحذيرات من عواقب الابتعاد عن نبض الشارع ،و لا التنبيه إلى مخاطر التشرذم السياسي و الانصراف إلى البحث عن كيفية تقاسم النفوذ و فرض توافقات غير مقنعة أحيانا و غير نافذة لانتظارات أوسع الفئات،في ظروف تتفاقم فيها الصعوبات الاقتصادية و تتوسع في التوترات الاجتماعية.
والغريب أن البعض لم يستوعبوا الدروس من نتائج البلديات ، و ذلك ما نستشفّه من ردود الفعل الصادرة عن شخصيات «الواجهات الإعلامية» الّتي خرجت تستعرض تبريرات فشلها ساعية إلى لملمة يائسة ، لخيبات أمل حوالي نصف مؤيديها قياسا بانتخابات 2014 ، في محاولة للحفاظ على مواقعها.

إن بوادر عدم إستيعاب الدروس لا يتوقف على حزبي النهضة و النداء بل يتجاوزهما ليشمل النخبة السياسية بكل تشكيلاتها الّتي بقيت تراوح مكانها في مسايرة التأزم و في اختزال العمل السياسي في الإطلالات الإعلامية و التفاعل المجرّد من كل فعل، مع الأحداث والمستجدات، دون الابتعاد عن «الشخصنة» و الأحكام المتسرّعة والقراءات السطحية لنتائج الانتخابات.
لذلك تتوجّه الأنظار مجدّدا إلى الحلقة الثانية من الانتخابات البلدية المتصّلة بتشكيل المجالس البلدية و انتخاب رؤسائها ،و هي عملية هامة في المرحلة المقبلة لما تضفيه السمات الشخصية للمسؤولين الأوّل على طبيعة الأداء في تسيير والتصرف و في حل الاشكاليات البلدية و المحلية في أول تجربة في ظل القانون الجديد للجماعات المحلية.
إضافة إلى ذلك فإن مختلف الأحزاب وقفت على نتائج جس نبض القاعدة الانتخابية الأقرب لشأن المواطنين اليومية ، و على سبر أغوار النوايا الانتخابية لأوسع فئات المجتمع، قبل الاستحقاقات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 .

إن الوقوف على التوجهات الجديدة للقاعدة الانتخابية الشعبية الواسعة في منتصف طريق المدّة النيابية والرئاسية ،و رصد تشكلها في المشهد العام ، سيضع حزبي النهضة و نداء تونس، يحسبان كل خطوة ، لأنهما بلغا الاحتياطي الأدني الذي عوّلا عليه في المدة النيابية المنقضية و دقّت بالنسبة لهما نواقيس الخطر في كل موضع. فنسبة المشاركة تبقى ضعيفة في ميدان لصيق بالأحياء والحياة اليومية،و هو ما قد لا يتوّفر في الاستحقاقات القادمة ، خاصّة إذا تمّ تحميلهما أسباب التأزم و التدهور الّذي وصلت إليه البلاد. فحزب النهضة (الذي يظهر أكثر تماسكا من غريمه و حليفه الأولّ ) كان قادته يعتقدون أنهم في مأمن من فشل السلطة ، بمحاولة الظهور في الصف الخلفي للحكم ، ولكن اتضح لهم بالنتائج المسجّلة في البلديات ،أن «الحيلة لم تنطل»، وتمّت معاقبتهم بتخلي جزء هام من مؤيديهم عنهم، إمّا بالهروب أو بالتوجه إلى القائمات المستقلّة ، دون أن يكسبوا أي تقدّم في استمالة مؤيدين جدد.

أمّا حزب نداء تونس الّذي كان ينتظر مهندسو توجهاته ،كشْف برهان قوّته ،بنتائج تُلجم الخصوم «الضعفاء والمتنطعين» و تؤّكد حنكة الوافدين الجدد عليه ، ، وقف على حقيقة وضعه بعد أن أساء تقدير الانقسامات فيه ،و تغليب التعويل على أشخاص تنقصهم الكفاءة و النضج السياسي و تقرّبهم أواصر القرابة و تحرك العديد منهم الإنتهازية و الرغبة في التسلق السريع لسلّم النفوذ ،مع تغليب صارخ للمصالح الشخصية على المصلحة الوطنية.

و يجب ألاّ ننسى أن صورة حزب نداء تونس مرتبطة برئاسة الجمهورية الرئيس المؤسّس الّذي كان له دور فاعل في ترجيح تقدّمه في انتخابات 2014 و ارتبطت نسبيا بصورة الشاهد رئيس الحكومة الّذي كان لموقعه تأثير في الانتخابات الأخيرة الّتي ستؤثر نتائجها على النفوذ المعنوي للمؤسستين في نظر العامّة.
هذه الملامح ستجثم على خيار التحالفات في المرحلة المتبقية لهذه الفترة النيابية ،و هو ما كان محل تخوّف الحزبين من الانتخابات البلدية ، لذلك سيتوجّه الاهتمام بالقائمات المستقلّة الّتي حقّقت نجاحا في البلديات الصغرى و الكبرى على حد سواء ، وسيجد التونسيون أنفسهم تقريبا أما المشهد الّذي عرفته البلاد في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 ، ولكن بدرجة أكثر تعقيدا لارتباطها باستحقاقات 2019.

هذا الواقع مهما قّلل بعض الحزبيين من شأنه، ستكون له انعكاسات كبيرة على مستقبل الخارطة الانتخابية في تونس ، و سيجعل الماسكين بالسلطة اليوم و المتطلعين للحفاظ عليها مستقبلا أكثر حذرا ، حتى لا يخسر أحدهما موقعه.
و هذا الحذر سيؤثر حتما على مجريات سياسية في المرحلة الأخيرة لهذه المدّة النيابية، و مهما يكن من الأمر، فإنه لا مفرّ من استيعاب الدرس - الثاني - من انتخابات الجمهورية الثانية ، في رسم ملامح الاستحقاقات القادمة ، دون نسيان مقتضيات القواعد الجديدة الّتي ستحكم السلطة المحلية لو طبّقت كما يجب كقاعدة أساسية لتطبيق اللّامركزية، وكذلك مقتضيات استكمال بقية الهياكل المعلّقة والمحكومة هي الأخرى بتوا فقات لها املاءاتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115