في الذكرى 65 لاغتيال شهيد الوطن والحركة النقابية فرحات حشاد: الرسائل السياسية لنور الدين الطبوبي

يتضح من يوم إلى آخر أن الاتحاد العام التونسي للشغل منشغل عن الوضع العام بالبلاد..

ولا تعود أسباب انشغاله فقط إلى الوضعية الصعبة للأجراء أو لضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وما يولده هذا من احتقان وغضب وانفلاتات قد تكون بعضها خطرة على مستقبل البلاد..
انشغال اتحاد الشغل يعود بالأساس إلى غياب الاستقرار السياسي والى ما يمكن أن نسميه بعدم جدية جزء من الطبقة السياسية بما يهدد المسار الانتقالي برمته اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا أيضا ..

وهذا التحليل هو الذي يدفع بالقيادة النقابية إلى التصريح بأنها لن تحصر نشاطها في المربع المطلبي ولو كره الكارهون لذلك وهي تعتبر أن دورها الوطني يقتضي منها الانخراط كليا في دعم الانتقال الديمقراطي وتحصينه من كل محاولة للتراجع عنه كليا أو جزئيا..
هذه هي روح بيان المنظمة الشغيلة في إحيائها للذكرى الخامسة والستين لاغتيال الشهيد فرحات حشاد وجاء الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي يوم أمس أمام حشد من النقابيين جاء ليعطي الإطار العام الذي ينوي فيه اتحاد الشغل التحرك اليوم وغدا..

في جملة واحدة لخّص نورالدين الطبوبي الوضع السياسي في البلاد على امتداد هذه السنوات السبع الأخيرة وخاصة هذه السنوات الثلاث الأخيرة المتميزة بـ«التوافق» بين الشيخين والذي بدأ يتحول تدريجيا إلى التوافق بين الحزبين ..«لقد خلنا لفترة أننا نجحنا في إحلال الحوار اسلوبا للتعامل ونهجا لصياغة التوافقات بعيدا عن الحسابات الحزبية أو الفئوية الضيقة..لكن وبعد سبع سنوات مازلنا إلى اليوم مشدودين إلى التجاذبات والمهاترات العقيمة والبعيدة كل البعد عن الانشغالات الحقيقية لعموم أفراد الشعب ..بل لقد أصبح التوافق عند البعض إما وسيلة للتندر أو أسلوبا للمناورة»..

ويحمل الأمين العام لاتحاد الشغل هذه «النزعة البدائية المراهقة التي أصبحت تسم جزءا من المشهد السياسي» مسؤولية « عزوف الشباب عن الانخراط في الحياة العامة وفي تراجع الثقة تجاه العملية الانتخابية وتجاه السياسة والسياسيين».
هذه «المراهقة السياسية» هي التي تسببت وفق بيان اتحاد الشغل في ذكرى استشهاد حشاد في عدم الاستقرار السياسي والذي يعرفه البيان بضده ، بالشروط الثلاثة للاستقرار السياسي :

1 - استقرار التشاريع والقوانين

2 - استقرار أو استكمال أو تجديد المؤسسات والهيئات والأجهزة

3 - فرض واقع سياسي تتصارع فيه الأحزاب على البرامج قبل المواقع وتختلف فيه على السياسات لا على المنافع والمغانم

واللافت للنظر في هذا التقييم الصارم والصريح للمشهد السياسي في البلاد بان اتحاد الشغل لا يحمّل الحكومة الحالية ولا حتى سابقتها ،وزره،بل المنظومة الحزبية الحاكمة بالأساس ،وهذه الإشارة واضحة في قول الرجل الأول في المركزية النقابية «لقد أعمى التكالب على الحكم بصائر الكثيرين وتناسوا أنهم مؤتمنون على أهداف الثورة» وسهام الأمين العام لم توجه فقط للسياسيين بل وكذلك لبعض الأطراف الاجتماعية لم يسمها بالتحديد ولكن الإشارة واضحة للأعراف والمهن الحرة على حدّ سواء.. فبعد أن ذكّر الطبوبي بالتضحيات الجسام للشغالين يقول « وقد آن الأوان ليقتنع الجميع بضرورة تقاسم الأعباء معنا..بوجوب تحمل النتائج معنا وبجدية التضحية لأجل تونس (..) على الجميع القيام بالواجب الضريبي وعلى الجميع أن يشهروا بكل من يتهرب من هذا الواجب..بل على القانون أن يجرمهم..»

أما عندما يذكر نورالدين الطبوبي الحكومة فيأتي ذلك في سياق ايجابي واثر حزمة الاتفاقات التي حصلت بين الطرفين في الأسبوع الماضي والتي يقول عنها الطبوبي بأن الاتحاد يأمل «أن تساهم (حزمة الاتفاقات) في دعم الاستقرار واستعادة الثقة بين الشركاء الاجتماعيين»
ثم يأتي دعم حكومة يوسف الشاهد بهذه الصيغ العامة « سنواصل دعمنا ومساندتنا لكل المساعي الصادقة التي تعمل على مقاومة الفساد..» وكذلك «سنواصل دعمنا للجهود التي تبذل لمقاومة الإرهاب وأباطرة التهريب»..

بطبيعة الحال مساندة الاتحاد ليست صكا على بياض وهي للسياسات لا للأشخاص ولها شروطها أيضا من بينها ألا توظف مقاومة الفساد «لغايات انتقامية أو لتحويلها إلى مجرد تصفية حسابات مع الخصوم»..
ولا تنسى المنظمة النقابية في ذكرى حشاد التشهير بالاعتداء الإجرامي الذي تعرض له مقرها المركزي منذ خمس سنوات على أيادي روابط حماية الثورة المدعومة والمحمية من أحزاب حاكمة آنذاك (النهضة والمؤتمر)
ماذا يمكن أن نستنتج من كل هذا على المستوى السياسي المباشر ؟

كل المعطيات والمؤشرات تفيد بأن اتحاد الشغل على علم بمخططات أحزاب الحكم (وخاصة النداء والنهضة) للتخلص من حكومة الشاهد خلال الأشهر القادمة حتى لا تفتح لرئيس الحكومة أبواب قرطاج على مصراعيها في سنة 2019 ، وأنّ هنالك رغبة ملحة في تجربة حكومة ائتلافية جديدة في الأشهر الأولى لـ2018 تتكون من هذه الترويكا الثانية (النداء والنهضة والوطني الحرّ) وهذا ما نرجح أن الأمين العام للمركزية النقابية يصفه بالتكالب الأعمى على الحكم وأيضا بـ«إرادة الالتفاف على استحقاق ثورتنا»

والاتحاد الذي افشل سيناريو تغيير رئيس الحكومة في المهد في أوت الماضي إثر الطلق المزدوج من «أفندينا» (راشد الغنوشي) و«ولد سيدنا» (حافظ قائد السبسي ) يريد أن يقول لمن يهمهم الأمر بأنه لن يقف صامتا أمام سيناريو مماثل لان ذلك يهدد الاستقرار الهش للبلاد..
إذن نحن بالأساس أمام عملية إنذار مسبق لكل من يخطط في الغرف المظلمة لسيناريوهات قائمة فقط على اقتسام كعكة الحكم ولو أدى بذلك إلى تهديد المصالح الحيوية للبلاد..

ويبقى ان نتابع عن كثب كيف ستتعامل الأطراف المعنية بهذه الاتهامات المبطنة ؟
وهل سيغير موقف الاتحاد القوي في ذكرى استشهاد مؤسسه من المخططات والترتيبات الخفية ؟

نحن في معادلة سياسية معقدة حيث تناور وأحيانا تتآمر أحزاب في الحكم على الحكومة التي تمثلها – نظريا على الأقل – ومنظمة شغيلة كسند أساسي ،ولعله الوحيد اليوم ، لحكومة لم ترد الانخراط فيها ،ومنظمة أعراف تعتبر أن «التوافق» بين اتحاد الشغل والحكومة قد حصل على حسابها ..
معادلة معقدة وغير مسبوقة في بلاد تشكو من هشاشات عدة وهي مقبلة على ماراطون انتخابي يبدأ في مارس 2018 (مبدئيا) وينتهي في أواخر سنة 2019 حيث تتجدد أو تتأسس شرعيات الحكم القادمة..
بعد سبع سنوات من الثورة يعاد فتح باب الممكن من جديد على مصراعيه أو يكاد ..
فعلا بلادنا «على كف عفريت»..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115