سجن شابين بتهمة قبلة أخلاق النفاق

مرة أخرى تستعمل ممارسات أمنية وترسانة قانونية متخلفة بدواعي الدفاع عن «الأخلاق الحميدة» لوضع شاب أجنبي وفتاة تونسية في السجن..

إنها فضيحة أخرى تضاف إلى ذلك الكمّ الهائل الذي لا يشرف البلاد ويضرب في الصميم كل مساعي أقلمة القول فيها (الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان) مع الممارسات المشينة بكل هذه الحقوق والممتهنة لأبسط مقومات الحرمة الجسدية والنفسية للمواطنين..
مرة أخرى تقبض دورية أمنية على شابين قد يكونان يقبلان بعضهما البعض في ضاحية قمرت ويقتادان لمركز الأمن ثم بعد ملابسات بعضها غامض إلى حد الآن يحالان على النيابة العمومية وفي ظرف خمسة أيام يحاكمان بثلاثة أشهر سجنا للفتاة وبأربعة أشهر ونصف للشاب الفرنسي من أصل جزائري الذي أضيفت إليه تهمة هضم جانب موظف عمومي بعد ان اشترك الاثنان في «الاعتداء على الأخلاق الحميدة» و«إحداث الهرج والتشويش».

هذا ونشدد على مخالفة كل الإجراءات المتعلقة بالاحتفاظ فلا سمح للشاب الأجنبي بالاتصال بمصالح القنصلية الفرنسية ولا سمح لهما الاثنين بالاستنجاد بمحام أو حتى بمجرد إعلام العائلتين ..وكل هذه الاخلالات كانت تقضي ببطلان كل تتبع قضائي..
ولكن يبقى المهم في كل هذا التخفي وراء هذه العبارة الفضفاضة «التعدي على الأخلاق الحميدة» والتأويل الاعتباطي ، أمنيا وقضائيا لهذا العبارات الفضفاضة..هذا كله وبلادنا تستعد بمبادرة من أعلى هرم السلطة لإصدار مجلة أو وثيقة للحقوق والحريات الفردية والتي تطعن في الظهر من قبل مصالح الدولة ذاتها مرة بداعي التجاهر بالإفطار في رمضان وأخرى بعلاقات يقولون بأنها مسترابة خلف جدران المنازل وطورا آخر شابان في خلوة لم تعجب بعض الفرق الأمنية ليجدا نفسيهما وراء قضبان السجون.

نقول لكل من له غيرة مبالغ فيها على «الأخلاق الحميدة» بأن هذه التعلة عادة ما تستعمل لابتزاز شبابنا وأن من يقبل منهم عملية «افرح بيّ» يخرج من كل «ورطة» كالشعرة من العجين ،وأن هذا باب هامّ من أبواب الفساد عند بعض الأمنيين لابدّ من غلقه نهائيا وهذه مسؤولية وزارة الداخلية ومسؤولية القيادات العليا فيها..فالدوريات الأمنية ينبغي أن تكون لحماية المواطنين وللتوقي من الجريمة المنظمة أو العادية أما البحث عمّن في السيارة وعن علاقات القرابة التي تربط هذا بتلك فذلك خرق واضح لدستور البلاد..

فالفصل 21 من الدستور يقول بوضوح «(..) تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة ..(..)» ويقول الفصل 24 «تحمي الدولة الحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية..»
ينبغي أن نعترف بأننا نعيش حالة نفاق أخلاقي ندعي من خلاله دفاعنا عن «الفضيلة» عندما يتعلق بالغير ..ونتشوف للرذيلة عندما يتعلق الأمر بنا وبملذاتنا وتلبية شهواتنا..

لا نفهم كيف لا تسبق السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الداخلية بالخصوص والقضائية التوجه العام للبلاد والذي اقره رئيس الدولة في خطابه الأخير يوم 13 أوت الماضي وهو السعي لاستكمال ترسانة الحقوق والحريات الفردية بعدما ضمنا الحريات العامة..
والاستباق هنا يعني الكف عن ملاحقة الناس في حياتهم الخاصة والكف عن استعمال مقصلة الاعتداء على «الأخلاق الحميدة» و«التجاهر بالفحش» لسجن من يفطر في رمضان أو يقّبل صديقته..
الحريات الفردية ليست ترفا فكريا للبورجوازية الميسورة..إنّها حماية أقدس المقدسات: حرية الفكر والضمير وحرية الجسد وحرمته ..

الدولة في الديمقراطية تتدخل لردع أي اعتداء على الأفراد والممتلكات ولكنها لا تتدخل في حياة الناس وعقائدهم ما لم تلحق ضررا ملموسا (ونشدد بكل قوة على الضرر الملموس ) للآخرين..
حماية الأخلاق الحميدة لا تتم إلا بحماية الحقوق والحريات الفردية ..ونقصد بالأخلاق الحميدة الصدق والإخلاص في العمل والوفاء بالعهود والالتزامات وتحمل المسؤولية.. تلك هي الأخلاق الحميدة التي يجب على المجتمع الدفاع عنها أما ما يتعلق بحياة الأشخاص الراشدين فهي أخلاق النفاق والرياء والمظاهر الزائفة والتقوى الفارغة من كل نفس روحي فعلي..
الأخلاق هي احترام ذات الإنسان كاملة عقلا وروحا وجسدا وعدم الاعتداء عليها أيّا كانت الأسباب..

هذا لا يعني بالطبع انه يجوز للفرد منّا أن يفعل ما يريد في الفضاء العام ولكن أن نعتبر في القرن الواحد والعشرين أن قبلة عشاق هي تهديد للأمن العام فذلك عين التخلف وعين النفاق...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115