من الشروط الغنوشية إلى التدوينات الندائية: يوسف الشاهد ومأزق التحوير الوزاري

مـرّت أكثــر من ثلاثة أشهر على إقالة ناجي جـلـول، وزيــر التربية،ولمياء الزريبـي وزيرة المالية وتعـيين سليم خلبوس وفاضل عبد الكافي وزيرين بالنيابة في هذين القطاعين الحساسين،ومنذ تلك الفترة أضحى التحوير الوزاري على طاولة النقاش إما بشكله الأدنى (تعويض الوزيرين) أو كفرصة لتقييم شامل لعمل الفريق الحكومي ولضخ دماء جديدة فيه..

ولكن الأمور في بلادنا لا تمر بمثل هذه السهولة ،فالتحوير الوزاري بين الراغبين فيه والمتوجسين منه أضحى حلبة لصراع خفي/ معلن بين رئيس الحكومة والقيادة الحالية لحزبه قبل أن ينزل بكل ثقله «أفندينا» ببدلته الجديدة وربطة عنقه الأنيقة ليدعم حزب «ولد سيدنا» وليحددا معا المربع الضيّق الذي لا ينبغي لرئيس الحكومة تجاوزه.. فانتقلنا من سدّ شغور تقني أو تحوير جزئي إلى عملية لي ذراع أجلت التحوير برمته رغم اقتراب مواعيد هامة (عودة مدرسية وجامعية من جهة وبدء مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2018 من جهة أخرى) تحتمه في ظروفه الدنيا وبروز هنات عديدة في أداء بعض الوزارات تجعل من توسيع هذا التحوير أحد شروط نفس جديد للعمل الحكومي..

الإشكال الرئيسي أمام يوسف الشاهد لا يتمثل فقط في ضرورة المرور أمام مجلس نواب الشعب لكل تغيير ولو جزئي على فريقه الحكومي ،فلا نخال أن المجلس النيابي مستعد اليوم للدخول في صراع مفتوح مع صاحب القصبة ،يعني أن كل تحوير جزئي ،ما لم يخرج بوضوح عن «المألوف» السياسي سوف يمر دون كبير معارضة حتى لو لم ترض عنه بالكامل قيادات النداء والنهضة..

الإشكال الكبير أمام يوسف الشاهد هو مستقبل حكومته برمتها بعد تحوير وزاري لا يأخذ بعين الاعتبار رغبات «أفندينا» وخاصة «ولد سيدنا» ..فهذا سيعني حربا مفتوحة بين الحكومة والحزبين الأساسيين في الائتلاف الحاكم ،حرب لا ربح فيها لاحد رغم حماسة بعض المتحمسين..حرب ستنتفي معها الشروط الطبيعية للنشاط الحكومي وستدفع عاجلا أو آجلا إلى استقالة صاحب القصبة..

ولكن لو استجاب يوسف الشاهد لرغبات وطلبات ومحاصصات «أفندينا» و«ولد سيدنا» فسينقذ رأسه مؤقتا ولكنه سيخرج بعد ذلك من الباب الصغير وسيخسر كل ما راكمه خلال هذه الأسابيع الأخيرة..
الطريق السالكة ضيقة وضيقة جيّدا أمام يوسف الشاهد فالمعادلة أمامه شبه مستحيلة إذ عليه أن يقوم بتحوير وزاري يرضي القصر بداية ويعطي انطباعا بالتجديد الايجابي ولو نسبيا عند الرأي العام ولا يغضب كثيرا «ولد سيدنا» ويعمّده ولو كارها «أفندينا».. تحوير ينزع فتيل الحرب ، ولو إلى حين،بينه وبين قيادات النداء خاصة ويعطيه مهلة بنصف سنة أو تزيد ،لأن

الأزمة القادمة آتية لا ريب فيها ..

هذه الطريق ضيقة للغاية لأنها قائمة على كيمياء عناصرها متناقضة والمزج بينها مهمة شبه مستحيلة ولكن ما قد ينقذ رئيس الحكومة هو وجود نقاط ضعف عديدة في كل هذه الواجهات..
فالنهضة والنداء – حتى وان اجتمعت كل القيادات – لا يستطيعان اليوم الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد ،لا لاستحالة ذلك تقنيا ، بل لاستحالته سياسيا.

فنحن لسنا في وضع السنة الفارطة حيث سحب رئيس الجمهورية في حواره للتلفزة الوطنية البساط من تحت أرجل حكومة الصيد، ثم إنّ رئيس الحكومة السابق لم يكن يحظى بشعبية خاصة قبل تمرده في المنعطف الأخير لحكمه..والانطباع العام السائد آنذاك بان البلاد بصدد الغرق البطيء..

أما اليوم فالحملة على الفساد التي أقدمت عليها الحكومة منذ شهرين ونصف لقيت تجاوبا شعبيا كبيرا جعلت من أسهم يوسف الشاهد تصعد بشكل غير مسبوق وهكذا تكون كل محاولة للإطاحة به اليوم هي بمثابة انتصار للفساد وللفاسدين في نظر الرأي العام ،وهذا دون اعتبار شبه استحالة إيجاد 109 من نواب النهضة والنداء المستعدين اليوم لإسقاط الحكومة.
ولكن يوسف الشاهد يدرك قبل غيره بانه لا ينبغي له الاعتداد كثيرا بهذه الثغرة الهامة في التحالف الندائي النهضوي اذ عدم القدرة على الاسقاط لا يعني عدم القدرة على الهرسلة والإيذاء والإرباك..وللأحزاب قدرة على تحمل الهرسلة على عكس الحكومات التي لا تقدر على مواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية من جهة والهرسلة السياسية من جهة أخرى..

ولا يخفى على أحد أن الطلق الناري الكثيف ضد حكومة الشاهد والذي نتج اثر تنسيق واضح بين «أفندينا» و«ولد سيدنا» لم يكن يهدف بالضرورة إلى إزاحة الشاهد بل إلى إضعافه عساه يدفع إلى اقتراف أخطاء أو يجعله يقتنع بضرورة «التنازل» عند انجازه للتحوير الوزاري المرتقب..
لعل أوضاع البلاد ستدفع بكل الأطراف – مرغمة أو راغبة – إلى ما يشبه صلح الحديبية أي تأجيل الحرب الحاسمة إلى حين..وشاهد ذلك (دون اللعب بالألفاظ) هو تحوير وزاري محدود يتمثل جوهره في تعيين وزيرين في التربية والمالية مع إضافة حالة أو حالتين على الأقصى..

أمّا لو كنّا أمام تحوير هام فالأرجح أننا سنكون إمّا أمام حرب ضارية أو استسلام خفي..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115