الإرهاب الداعشي جريمة ضدّ الإنسان والإنسانية

يواصل الإرهاب الداعشي العدمي ضرباته المستهدفة للمدنيين وحجّة منظريه الإجرامية أن «الكافر الأصلي» أو «المرتد» (أي كل البشر سوى المسلمين السنّة) دمه حلال حتى وان كان رضيعا أو شيخا مقعدا فما داموا يدفعون الضرائب لدولة «الكفر» فإنهم يصبحون تبعا لذلك هدفا «حلالا» للإرهاب السلفي الجهادي المعولم..

وقلنا في مناسبات سابقة إننا بصدد بروز تيار أكثر تشددا وتطرفا ودموية داخل هذا التنظيم الإجرامي يوسّع هذا الاستهداف لكل البشر بمن فيهم المسلمون «السنة» تحت عنوان «لا يعذر الجاهل بجهله» فما دام «العوام» من أهل السنة راضين بحكم «الطاغوت» يصبحون آليا أعوانا له وبالتالي أهدافا «شرعية» لهذا الإرهاب الدموي.

لا ينبغي أن ننسى والبشرية تبكي كل أسبوع وأحيانا كل يوم ضحايا الإرهاب الداعشي أن هذه الجماعات الإرهابية تسعى إلى الإثخان حيثما أمكن لها ذلك وبأي وسيلة كانت.

هنالك نقاش كبير داخل أوساط الباحثين المختصين في جماعات الإرهاب السلفي الجهادي المعولم حول طبيعة هذا الإرهاب ..فهل هو عدمي (nihiliste) لا غاية له سوى الدمار ذاته أم أنه حامل لرسالة سياسية ويهدف إلى تحقيق غايات محددة..وفي الحقيقة نجد دوما هذين البعدين معا..فهنالك عمليات إرهابية مندرجة ضمن خطط عسكرية مباشرة أو غير مباشرة ومنها ما سعت هذه الجماعات لفعله بمدينة بن قردان في مارس 2016..ولكن هنالك دوما في الإرهاب الداعشي ومعه وقبله القاعدي بعدا عدميا واضحا يكون فيه الترويع والقتل والتنكيل وسيلة وغاية في ذات الوقت..

فدهس مارة في السويد أو تفجير كنيستين قبطيتين في مصر لا يهدفان إلى فك حصار عن مقاتلين أو الانتقام من الأعداء المباشرين ..إنه يهدف إلى القتل للقتل والتحوطّ الوحيد لهذه الجماعات الإجرامية هو التأكد من «شرعية» الهدف ليس إلاّ..
لقد عرفت البشرية عبر تاريخها الطويل مجموعات عقائدية إجرامية تحترف القتل والتنكيل ولكن عادة ما يخضع المنفذون لهذه العمليات إلى فترة طويلة نسبيا من الإعداد قوامه غسل الدماغ وقطع الفرد عن محيطه العائلي الطبيعي..
مع الإرهاب الداعشي أصبحت فترة الإعداد لا تتجاوز أحيانا الأسابيع القليلة وهذا ما يطرح على مجتمعات عديدة ومنها تونس أسئلة محيّرة ما الذي يدفع بشباب في أسابيع قليلة من حياة شبه عادية إلى الإجرام العدمي والذي لا حدّ فيه لا أخلاقي ولا نفسي ولا ديني لكل أصناف التنكيل والترويع..

التفسير الوحيد النظري والعملي في آن واحد هو تقاطع تطرفين وعنفين ديني واجتماعي في ذات الوقت..فالعنف الاجتماعي يصبح محلا للعنف الديني والعكس بالعكس..

لا يعني هذا ضرورة أن كل الإرهابيين الداعشيين هم من سليلي عالم الجريمة وان كان هذا «المعدن» يمثل منجما هاما لهذا التنظيم في كل أصقاع الدنيا..ولكن يعني بالأساس بان جلّ المنخرطين في هذه الجماعات هم من حاملي عنف داخلي هدّام ومدمّر للذات وللآخرين ..وهذا الصنف هو ولاشك نتيجة لإخفاقات معقدة عامة وعائلية وشخصية..

إخفاقات تضعف كثيرا النوازع الإنسانية العادية من الرأفة والحلم والشفقة بل وتمسحها مسحا إذ تحصرها فيما بعد في «الفئة الناجية» المختصة حصريا بكل الصفات الآدمية الايجابية وتصبح بقية البشرية منزوعة الآدمية باعتبارها موطن الشرور والآثام وان تطهيرها لا يكون إلا بالدم والنّار والذبح..

«النجاح» الأساسي لمجموعات الإجرام هذه هي خلقها لجيل من الوحوش الكواسر انقطعت الصلة بينهم وبين كل رابطة إنسانية ..جيل يعتقد أن خلاصه الفردي والجماعي هو في زرع ما أمكن له من الدمار والترويع حوله..
السؤال المحوري اليوم لم يعد متى نهزم الجماعات الإرهابية عسكريا وأمنيا إذ هزيمتها مندرجة في منطق الأشياء ولكن بأي ثمن بشري وكيف يمكن إيقاف نزيف الجاذبية لهذا الإجرام المعولم؟

كيف ننقذ مئات الشباب من السقوط في براثن هذا الإخطبوط المدمر للذات وللآخر ؟
كيف نقطع الطريق أمام هذا الإمداد البشري ؟
كيف نفصل بين جماعات العنف الديني والشباب المنحرف الحامل لحقد على الذات وعلى الآخرين ؟

حسن الإجابة عن هذه الأسئلة هو بداية الطريق في حربنا الشاملة لاقتلاع جذور الإرهاب السلفي الجهادي المعولم من بلادنا ومن العالم أيضا..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115