افتتاح مهرجان البحر الابيض المتوسط للمسرح: مسرحية «جوييف» لحمّادي الوهايبي.. اليهود جزء من الأرض والذاكرة

ماذا لو كنت يهودي الديانة في وطن اغلبه من المسلمين؟ هل ستشعر انك مختلف؟ هل ستشعر ان لك في هذا الوطن كما للبقية؟ هل ستتشبع بقيم

المواطنة وتدافع عن وطنك تونس وتحميه من خطر الجوسسة و الخيانات و التهجير؟ لو كنت يهوديّ الديانة وخيروك بين الهجرة الى اروبا و دول أخرى هل سترحل ام ستتشبث بالأرض التي ولدت فيها و تمتعت بترابها وعشقت ازقتها ومدنها منذ النعومة؟
لو كنت يهوديّ الديانة؟ تونسيّ الجنسية هل ستطالب بمواطنتك كاملة وحقوقك دون تجزئة؟ هل ستقاوم لتثبت انك تونسي من حقك الدفاع عن وطنك و حقوقك وطائفتك وعرقك في وطن عاش طيلة قرون مرور حضارات واديان وأعراق عديدة؟ اسئلة عديدة وجريئة طرحها المخرج حمادي الوهايبي في عرض «جوييف» انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالقيروان.

اليهود جزء من الوطن فلم التفرقة؟


كرسي ازرق اللون وضع يسار الرّكح المقسوم نصفين، موسيقى رقيقة وجميلة وكأنها تحملك للتجوال في جزيرة ممتعة موسيقى ممتعة من ابداع «باتريك سلامة» موسيقي من يهود تونس، كتابة عبرية كامل الركح، منذ الارقام و الاحرف العبرية تتساءل عن ماهية العمل، صراخ بين امرأة ورجل، هي تريد الخروج وهو يرفض لانهم «يهود» و يجب «المحافظة على سلامتهم، المسرحية تحمل المشاهد الى «لوكاندة» او اقامة يقطنها اليهود ، مجموعة من النسوة اليهوديات في مكان واحد لحمايتهن من اخطار الخارج و فوضى الشارع اثناء الثورة وبعدها،.

تقاوم الشابة وتطالب بحقها في الخروج الى الشارع لانها تونسية، «دايا حداد» شابة تونسية يهودية تدرس القانون طردت من الجامعة لانها «حاشاك يهودية» بسبب تلك الكلمة الجارحة تغادر الجامعة ولكنها تواصل الدفاع الشرس عن وطنها عن المرأة في تونسها التي ولدت في ربوعها رافضة مغادرتها الى بلد ربما اجمل.
على الركح يكون الموعد مع رسائل وشيفرات بعضها مباشر وأخر يقوم على التلميح رسائل تُنصفُ يهود تونس وتدافع عن حقهم في هذا الوطن وعن حقوقهم وترفض النظرة الدونية و الافكار المسبقة التي يعيش بها البعض، رسائل عن حق اليهود في الدفاع عن تونس لأنهم جزء منها « احنا شنوة؟ تصاور؟ والا نوامر في بطاقات التعريف؟ كما تتساءل دايا وتضيف « احنا فرايجية؟ مع التوانسة وماناش توانسة؟» سؤال ينقد رؤية بعض التونسيين لاخوتهم من اليهود؟ جميعهم يحملون نفس الجنسية ويعيشون في نفس الارض فلم التفرقة باسم الدين؟ اسئلة تطرحها دايا على لسان العديد من التونسيين.

الى حياة يهود تونس وانتمائهم الى هذا الوطن تكون الرحلة المسرحية، غوص في التفاصيل و اتقان للهجة اليهود وطريقتهم المختلفة في نطق الأحرف بعض الكلمات بالعبرية خاصة التحية والنقاش اثناء الغضب، تفاصيل اتقنها الممثلون بعد ورشات واقامات لأيام عديدة في منازل يهود جربة اثناء التحضير لانجاز العمل.

جويف عمل نقدي بامتياز، مسرحية تناولت موضوعا من المسكوت عنه، محاولة جريئة للحديث عن تونس بكل مكوناتها الاجتماعية، تجربة ينطبق عليها مقولة «لفي شتراوس» « إن الزهرة التى تنمو فى البرارى دون أن يشعر بوجودها أحد لا تعنى شيئا على الإطلاق ولكنها تكتسب معنى محددا ، وتؤدى رسالة واضحة للجميع ، حين تصبح جزءا فى إكليل الزهور الذى يرسل فى تشييع الجنازات، أو فى تكوين باقات الزهور التى ترسل للمشاركة فى الأفراح». 

وبالقياس على الفنان نجد أن وجوده الفعال يتحدد بمدى تعايشه مع واقعه الاجتماعى والمشاركة فى قضاياه بعرضها والدفاع عنها أو معارضتها من وجهة نظر حرة حريصة على قيام العدالة والمساواة والحرية بهدف الاصلاح والتغيير كذلك هي مسرحية جويف اشارة الى الدور الفعّال للفنان في تونس واشارة الى انّ يهود تونس جزء من الارض .

نحن اليهود جزء من الذاكرة و تفاصيل الوطن

كتابة عبرية، خطوط ورسومات تؤكد انفتاح الفن الرابع على بقية الفنون، ضوء احمر يكسر السّواد، حمرة الدم وميمون يقول «أنا أكره الالمان وصناعتهم» في اشارة الى المجازر النازية فيجيبه الاخر «انا اكره التاريخ ومانفهمش فيه» كمحاولة للتأكيد على وحدة التونسيين بعيدا عن صراعات المحور والحلفاء.

احداث «جوييف» تدور في «لوكاندة» يسكنها «الجوييف» صراع الهوية والانتماء صراع البقاء والمغادرة؟ صراع الدين والوطن؟ في العمل اشارة الى تلوينات المجتمع التونسي و انقسامات اليهود ايضا فـ»دايا» و «للّة دليلة» من اليهود الرافضين لمغادرة تونس في المقابل «ساسية» ترى ان «الارض تضيق بنا فلنغادر».

في «جوييف» صراع الوطنية والتهريب، صراع عن التاريخ و تراث اليهود لمن سيؤول لتونس؟ ام لدول اخرى تدين باليهودية؟ في العمل يحاول «ميمون» تهريب نسخة من التوراة تتجاوز الـ 500عام، مستعينا بالمهربّين ، محاولة للخراب ونبش في تراث اليهود والبحث عن سبل ترحيله ولكن «دايا» تستطيع تحطيم المخطط و تتحصل على المخطوط لإيداعه في المعهد الوطني للتراث، المكان الوحيد المخوّل لحماية تاريخ البلاد فتاريخ اليهود جزء من الذاكرة الجماعية وتاريخ البلاد.

«جوييف» مسرحية مستفزة، ناقدة، توجه اصابع الاتهام الى اصحاب الفكر المحدود الرافضين لكلّ اختلاف، عمل يؤكد على وحدة التونسيين وان اختلفت الديانة فبامكانهم التعايش في مكان واحد والعمل والحب و الحياة بعيدا عن الطائفة و «الملّة» كما حدث مع عزيزة «المسلمة» التي اضطرت الى الكذب وادعاء انها يهودية لتجد ملجأ يحميها من مخاطر الشارع، «عزيزة» انموذج عن الاخر المختلف الذي استطاع التعايش مع ابناء وطنه وان اختلفوا ليكون «جوييف» درسا في الانسانية والديمقراطية و السلم.

صوت «للة» حبيبة مسيكة يغني ويملأ الركح حياة ويبعث فيهم متعة مختلفة، حبيبة مسيكة من يهود تونس ومبدعيها، فاليهود يعود وجودهم الى عصور قديمة جاءوا اساسا بفعل الهجرات من الاندلس وايطاليا وبلدان الحوض المتوسط» كما يقول المؤرخ منصور بوليفة، من يقول اليهود في تونس حتما يستحضر نسيم شمامة وزير المالية في العهد الحسيني والبير شمامة شيكلي رائد السينما التونسية، يهود تونس بول صباغ مناضل الحزب الشيوعي و البير ممو و الاديبة كولت فلوس، يهود تونس «كريستال» جلبار نقاش و دفاع جورج عدّة عن تونس وديمقراطيتها، يهود تونس ذاكرة موسيقية وابداع الشيخ العفريت و حبيبة مسيكة وراؤول جورنو.

حمادي الوهايبي مخرج العرض: المسرح استفزازي بالأساس


عن مسرحية «جوييف» يقول رحلة البحث اكتشفت ان هناك العديد من المواضيع التي وجب للفعل الثقافي تناولها، ومواضيع مسكوت عنها، كما الصابرات حين تحدثنا عن موضوع «المومسات» اثر الضجة التي حصلت آنذاك، كذلك اليوم مسألة الطائفة اليهودية يبدو انه لم يقع تناولها فنيا فهذا موضوع «ما يتمسش»، موضوع مسكوت عنه، حاولنا معالجة هذه المسألة، خاصة امام الصراع العربي الاسرائيلي

ثمة فهم خاطئ بين اليهودية كديانة والكيان الصهيوني، في العمل قمنا بنقد ذواتنا من خلال نقد بعض الالفاظ التي نقولها عن اليهود»حاشاك» ونقدنا الافكار المسبقة عند البعض عن اليهود ، وانتقدنا الموقف الاسرائيلي الذي يحاول تهجير اليهود التونسيين مستغلا كل الصراعات والظروف السياسية ، اليهود توانسة تمسكوا بتونسيتهم تمسكوا ببقائهم وأردنا تحيتهم بالعمل.

في العمل لم ندخل في تفاصيل الديني وإنما تناولنا الجانب الثقافي، شخصيا اعتبر ان هناك ثقافة عارفة ومن البحث انطلقنا.. ذهبنا الى جربة وعشنا وسط العائلات اليهودية لتعلم اللهجة ومعرفة اقاصيصها وحكاياها لان المسرح استفزازي بالاساس.

نساء الثقافة وثقافة «الوطية»
«انا لا اشارك في الكرنفال، تعب وماكياجي يفسد» هكذا تجيب احدى نساء الثقافة عن سؤال زميلتها حين استفسرت عن غيابها عن الكرنفال، فتجيبها بهذه المقولة مشيرة الى اكسسواراتها و لباسها وكعبها العالي، سيدتي الثقافة عمل ميداني بالاساس و التظاهرات تشاركية قبل ان تكون «وطية».

الثقافة والعمل الجماعي


«الاولاد، امان نظفوا الساحة قبل ما يجي المدير» الجملة ستسمعها كثيرا وانت تشاهد عرض النيران الايطالي، الذي انجز امام ساحة المتحف و السبب في تكرار الجملة رفض مدير متحف المهدية لفكرة سحب الضوء من داخل المتحف «المدير ماحبش يعطينا الضو وتحبوا يقبل الرماد قدام الساحة»؟ فهل «ضوء المتحف» التابع لوزارة الشؤون الثقافية اصبح ملكية خاصة؟واين مقولة «مؤسسات الدولة تدعم الثقافة والتظاهرات الثقافية؟».

المهدية تتنفس مسرحا، المهدية تضيء شموع الابداع
شمعة اولى وحلم وليد، حلم بترسيخ ثقافة الابداع والتميز، من مدينة الفاطميين انيرت الشمعة الاولى لمهرجان مسرحي وليد، مهرجان يجمع اربع ولايات هي المهدية والمنستير وسوسة و القيروان، مهرجان منفتح على كل الفنون اولها الفن الرابع، في المهدية ولد الحلم وترعرع مهرجان مسرحي جمع مبدعي الجهة والولايات المجاورة كاول تظاهرة لمركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية.

اضيئت شمعة المهرجان، اعلن رسميا عن ميلاد الحلم وانطلاق رحلة الابداع مع كرنفال جاب شوارع المدينة الهادئة، عشية السبت 25اوت 2018 كانت مميزة، كل الشوارع المؤدية الى مركز الفنون الركحية تزينت بكل تلوينات الابداع، افتتاح جمع احلام ابناء المدينة وافكارهم لتورق في «عشوية» صيفية باردة النسمات الثقافية.

فرق موسيقية عديدة والوان مسرحية وفرجوية متنوعة ساهمت في كرنفال الافتتاح، امام متحف المهدية كان اللقاء مع العرض الايطالي «اتنا» عرض الرقص بالنيران، عرض يجمع الجسد و النار تلك الثنائية الصامتة صنعت لجمهور المهدية لقاء فريدا مع المتعة، بالنار رقصوا وكتبوا الياذة المتوسط، امتعوا الجمهور وحملوا الحضور لجولة تاريخية تنطلق من المهدية للتجول في ربوع الدول المتوسطية وتبحث عن القواسم الثقافية المشتركة، في عرض «اتنا» الجسد كان لغة و النار كلمات ترتب الافكار و تعبّر عن احلام المبدعين المختلفة، لنصف ساعة تقريبا مع حكايا النيران وصرخات الجسد هي حكايا الهجرة و القوافل البحرية بين دول المتوسط، قصص الرحيل و اللقاء حكايا «البحّارة» و «الحمّالة» حكايا الافكار و العادات و الاختلافات، جميعها كتبت بالنار وباجساد راقصين امتهنوا لغة الجسد وابدعوا فيها.

نهى المكشر.. عنوان للارادة والحياة


استاذة مسرح، ابنة الشابة تحديدا امرأة من فولاذ حالمة وصلبة، نهى المكشر من عناوين نجاح حفل افتتاح مهرجان البحر الابيض المتوسط بالمهدية، نهى المكشر استاذة تربية مسرحية بالسواسي، هناك في منطقة ريفية استطاعت غرس ثقافة المسرح في أبنائها تحدّت العادات و التقاليد الاجتماعية المحافظة والرافضة للمسرح وجعلت من تلاميذها عنوان للتألق في المسابقات المسرحية داخل الولاية وخارجها، من العدم صنعت «نوتشة» كما يناديها ابناءها جيلا مبدعا وحالما بالفن والتغيير، نهى المكشر مسؤولة عن العروض التي ستقدم في دار الثقافة رجيش، امرأة فنانة تصنع لنفسها ولابناءها عالمهم المسرحي الخاص تساعدهم ليبدعوا ويكتبوا احلامهم بالفن، نوتشة شمعة امل مضيئة وحجرة صلبة في رحلة بناء حركة مسرحية بالمركز الوطني للفنون الركحية بالمهدية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115