اوركسترا «جوقة معهد المنار» في افتتاح مهرجان دقة الدولي: عانق «ماستيمان» أنفاس «تيزيري» فكان «أيور» عنوانا للجمال والحب

ان كنت باحثا عن متعة موسيقية فريدة فاوركسترا جوقة المنار توفر لك تذكرة الى عالم الموسيقى السرمدي، ان كنت عاشقا للتاريخ فهنا مسرح روماني

بني لممارسة صلوات الحب وكتابة تراتيل العشق ان كنت تبحث عن ترياق فالترياق في دقة التاريخ والحضارة والموسيقى.
اعلنت ساعة الفرح ومعها انطلاق رحلة الفنون مع اولى سهرات مهرجان دقّة الدولي، لقاء اوّل مع الموسيقى السيمفونية، لقاء مع النوتات الهادئة ودعوة للحب ولشرب كأس الموسيقى حدّ الثمالة.

«توكاي» ، «توغّا» هنا ولدت قصة عشق الربة «افري»
هنا تماهت كلّ مقومات الجمال، هنا ولد قصة عشق كتبتها الالهة منذ الازل، عشق تحول مع الوقت الى الياذة اسمها الموسيقى تلك اللغة الساحرة حديث الملائكة وشدو الالهة جسدته الكمنجات حيث تغازل الحضور.
هنا جبل صخري اصبح حكاية للعشق للتاريخ للذاكرة، هنا لقاء مع التاريخ لقاء الهوية النوميدية لقاء مع حكايا الامازيغ و قصصهم الراسخة في الذاكرة الجماعية هنا «توكاي» ترحب بعشاق الموسيقى السيمفونية وتستقبل عشاق الحياة.
الرحلة الى توكاي تكون عبر الطريق الوطنية رقم5 الرابطة بين تونس والكاف، تونس فبرج العامري ثم وادي الزرقاء فتستور الاندلسية ثمّ عين جمّالة، فعين تونقة و العيون الجميلة والخضرة تلفّ المكان والطريق ثم تبرسق الجميلة فطريق جبلية زينتها اشجار الزيتون الصامدة مع نبتة الصبار وكانها تؤكد ان هنا شموخ ابدي لا يعرف الفناء، طريق جبلية وعرة زينها «ايور» (الهلال عند الامازيغ) في السماء ينير درب عشاق الموسيقى.

على بعد 106كلم من العاصمة تونس يوجد الموقع الاثري لمدينة دقة، دقة التاريخ دقة حكايا النوميديين السكان الاصليين للمكان لان الحفريات اثبتت وجود مقابر تعود الى فترة ما قبل الرومان، دقة الاثرية بمسرحها الجميل منذ 42عام وهي حاضنة للابداع و الموسيقى مع مهرجان دقة.
و تتميّز المدينة بامتدادها على مسافة 70 هكتارا بمحافظتها على الآثار وبثراء تاريخها البونيقي، النّوميدي، الروماني والبيزنطي. تستمد مدينة دقة اسمها الحالي من اسمها الأمازيغي القديم وهو تُوغًّا Thugga و يعني اسمها الجّبل الصّخري.
أُدْرِجت ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو سنة 1997، باعتبارها أفضل مدينة رومانية محفوظة في شمال افريقيا. تموقع دقّة، وسط ضيعة فلاحيّة، جعلها محميّة من الزّحف العمراني.
في دقّة، في المسرح المتكون من ثلاثة اجزاء هي المدارج وخشبة المسرح والاوركسترا كان اللقاء في افتتاح الدورة الواحدة والاربعين للمهرجان مع عرض موسيقي تونسي الهوية، عرض يحافظ على ذاكرة المكان و كانّ نغماته القوية احيانا صوت للالهة «افري» التي عبدها النوميديون وقدسوا قوتها.

الموسيقى صوت «تيزيري» ونبض
اضواء زاهية وجميلة، للحجارة تاريخها، لعبة الاضواء زادت المكان بهاء المسرح دائري اينما وليت وجهك اعترضك جزء من الذاكرة والتاريخ لازال المسرح يحافظ على اعمدته ونقوشه، لازالت الاحرف اللاتينية تكتب ذاكرة المكان.
اكثر من ستين عازفا توزعوا على الركح، للكمنجات شرف قيادة حفل اوركسترا جوقة معهد المنار، هم عشاق للموسيقى اغلبهم من طلبة المعهد العالي للموسيقى و «كونسرفاتوار» معهد المنار اساسا يشرف عليهم فادي بن عثمان، تنطلق الرحلة الموسيقية مع «موزار»، موسيقى هادئة وكأنها تستكشف سحر المكان وخبايا الزمان ثم تصحب صاخبة مع اغان لمايكل جاكسون ، «ايور» الهلال الصغير توسط السماء ليضيء المكان ويزيد من سحره نوتات جميلة كانها لحظات عشق لـ«ماستيمان» أو «جوبيتير» عند الرومان.

رحلة موسيقية قادها فنانون من تونس عشقوا الموسيقى فحلموا وأبدعوا، مجموعة يقول عنها المايسترو « حكايتنا بدات ليها سنين ، ملي تحلت العينين وتحطت على الاوتار يدينا، وخلقت لمّة بنينة تعزف نغمة تحكي حكاية وتبني حلمة، حلمة كبرت معانا وبقات امانة بين يدينا، حلمة خلاّت الناس الكل تعيش فرحانة» وفي دقة نشروا الفرح ووزعوا صكوك السعادة على الحضور.
عرض غنى فيه مجموعة من السوبرانو على غرار هيثم الحضيري و هالة الشنوفي و يسرا عبيد وحاتم نصري و محمود التركي باصواتهم الاوبرالية اثّثوا مساحات الحلم في مكان يدعوك الى جنات الخلد.
صورة الركح من اعلى جدّ مغرية، ربما ستستحضر حكايا القدامى ربما تجدك في مجلس للالهة الرومانية فها هي الكمنجة تتغنج وكأنها «فينيس» تعشق قوامها وجمالها، أما نقرات الكاخون وصوته وكأنه حديث «بلوتو» عن باطن الارض وماتخفيه من حكايا، العود يحضر بكل نغماته الرقيقة ليستحضر سحر «سيريس» الهة الزراعة، تتصارع النوتات تتسابق النغمات ليكون «باخوس» الاه الخمرة سيد المكان فللموسيقى وقع «الخمرة» على العقل والقلب ويكون وقعها اجمل متى كان العزف تونسيا يحملك الى عالم سرمدي بنتوات مميزة.

القيثارة صوت روح «غورزيل»
بقيثارته المميزة حمل جمهور دقة الى عالمه الموسيقي الخاص، الفنان ياسر الجرادي غنى في افتتاح مهرجان دقة مع نغمات الكمنجات كانت القيثارة صوتا للتمرد للطفولة غنى، للاطفال المحرومين من الحلم قدّم باقة من الحب اختار كلماتها وكتبها بمداد القلب، للاطفال الذين خيّروا الموت على الحياة غنى ياسر الجرادي «حلوا البيبان و قال « تصاور وألوان أوراق وأقلام، وردة في جنينة، هذي حكايتهم، ضاعوا بين الساقين، لا سمعنا صيحاتهم لا فهمنا غزراتهم» اغنية جد موجعة نقد فيها ظاهرة انتحار الاطفال في تونس وهي ظاهرة ارتفعت في الاعوام الاخيرة لعدة اسباب عائلية وتربوية واجتماعية.
نوتات القيثارة كانت قوية وصارخة وكانها صوت لروح «غورزيل» القوي ذاك المجسم في شكل راس الثور الذي عبده النوميديون واهدوه القرابين والجرادي قدم قرابين الحب لكل الاطفال.
لساعتين من الزمن ساعتين من الحلم كان اللقاء مع الموسيقى السيمفونية في مسرح ساحر مسرح يبعث فيك الحب و نشوة العشق الازلي لفضاء ان زرته فحتما ستعيد الزيارة.

هل سترتفع منحة وزارة السياحة؟
في بحث عن معلومات حول دقة نجد في احدى المقالات السياحية انّ «دقة مشهورة لدى السياح وخاصة المهتمين بالتاريخ والآثار» ولكن منحة وزارة السياحة للمهرجان ضعيفة مقارنة بمنح لتظاهرات اخرى فهل سترتفع هذه المنحة في الدورات القادمة؟

سياسة «التسويف» في الدعم؟
انطلقت فعاليات الدورة الحادية والأربعين لمهرجان دقة الدولي، «حرصنا على اتمام كل الاجراءات الإدارية حرصنا على ايصال كل الاوراق المطلوبة ومتابعتها من مكتب الى اخر حتى نحصل على دعم وزارة الثقافة قبل المهرجان ولكن، ها قد انطلق المهرجان و الدعم «مازال ماتصبّش» هكذا تحدث مدير مهرجان دقة الدولي مختار العاتق، ناقدا سياسة التسويف التي يتبعها بعض المسؤولين في وزارة الثقافة مشيرا انّ بيروقراطية الادارة لم تتغير و نفس سياسة المماطلة لازالت تمارس، واشار ان منحة الوزارة ارتفعت من 70 الف دينار الى 100 الف دينار ولكن الى حين كتابة هذه الاسطر لازالت المنحة حبرا على ورق.

اتفاقية مع شركات النقل لنقل الجمهور
موقع دقة الاثري يقع في اعلى جبل، يبعد عن مدينة تبرسق 6كيلومترات وموقعه البعيد عن المدينة من اكثر الصعوبات التي تواجه الجمهور خاصة من لا يملك سيارة، ولتفادي مشكل التنقّل عقدت هيئة المهرجان اتفاقية اولى مع الشركة الجهوية للنقل وخروج حافلات تنقل الجمهور الى الموقع الاثري بدقة.
واتفاقية ثانية مع شركة الوطنية للسكك الحديدية لتخصيص قطار يحمل جمهور المهرجان من تونس الى محطة «قعفور» ومن قعفور تقلّهم الحافلات الى موقع دقة و الاتفاقية تشمل ثلاث سهرات هي حفل مارسال خليفة يوم 28جويلية و الزيارة يوم 4 أوت وأمينة فاخت يوم 5 أوت.

تغيير البرمجة في اطار تغيير عقلية المتفرج
دقّة المهرجان الذي انطلق في سنواته الاولى مخصصا للمسرح الكلاسيكي في مسرح روماني جدّ مميز وبمرور السنوات بهتت البرمجة وأصبحت حكرا على «الفن الشعبي» و تريد هيئة المهرجان اعادة البريق للمهرجان والمكان بادخال فنون اخرى وعروض فنية وثقافية لكل الفئات العمرية وبناء عقلية فرجوية جديدة في مسرح دقة و يبدو ان تجربة البناء جدّ صعبة ففي حفل الافتتاح السيمفوني اغلب الجمهور حلقات، اما يتحدثون عن «المسلات التركية»، او ينقاشون «وطية» الجيران او يشبهون صوت السوبرانو بـ»الماعز» متسائلين عن «وينو البومزيود» عقلية البناء صعبة و تتطلب «تجربة وصبر» على حد تعبير مدير المهرجان الذي اختار منذ عامين ان يكون الافتتاح تونسيا بالموسيقى السيمفونية ورفض العروض المدعومة واستجاب لطلب أبناء الجهة في بعض العروض.

الكرنفال عنوان للبهجة
في المهرجان
الوان هنا وهناك، صرخات هنا وضحكات هناك، اطفال وشيوخ نزلوا الشارع للفرجة و المتعة، صوت الطبل الافريقي يعلن عن انطلاق المهرجان ومعه تاشيرة للسعادة، قبل الافتتاح الرسمي كان لابناء تبرسق لقاء مع كرنفال جاب شوارع المدينة، كرنفال اختلفت مكوناته وموسيقاه من التقليدي الى الفروسية الى الموسيقى الافريقية، عروض بهلوانية وتنشيطية موجهة الى الصغار والكبار الكرنفال شدّ انتباه المارة خاصة الاطفال العطشى الى الفنون في تلك الربوع، و تلك الابتسامة التي رسمت على وجوه الاطفال هي «المهرجان عندي» كما قال مدير الدورة مختار العاتق.
الكرنفال بعث في المدينة الحياة اخرج تبرسق الهادئة من صمتها شحنها بالموسيقى و الصخب بمناسبة الدورة الحادية والاربعين لمهرجان دقة الدولي.

تقني الضوء يعمل بعقلية «العروسات»
من سلبيات سهرة الافتتاح اطفاء الاضواء جميعها (المسرح والمدارج) بمجرد انتهاء العرض ما جعل الجمهور يتحسس الحجارة كي لا يقع في المدارج ، اطفاء الاضواء علّق عليه بعض الحضور بالقول «تقني الضوء يعمل بعقلية عروسات ومنطق طفي الضو خلي الناس تروّح»؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115