افتتاح المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية بالجم: الاوركستر «آلا سكالا» لمدينة ميلانو: جولة في جنّات الموسيقى

«الموسيقى كفن بين الفنون تمثّل كل الفن وهي الفن المزدهر خارج الزمن وتبقى هي المنفذ» هكذا قال

نيتشه عن الموسيقى وفي المسرح الاثري بالجم كان اللقاء خارج الزمن وخارج حدود المكان مع نوتات ساحرة تسحر القلب و الفكر معا نوتات كتبت لاشهر قصص الحب و المقطوعات العالمية في فضاء جد مختلف واستثنائي.

في الجم كان الموعد مع الحلم والمتعة في افتتاح المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية عرض قدمته اوركسترا «آبل سكالا» لمدينة ميلانو الايطالية، عرض تماهت فيه كل عناصر الفرجة فكتبوا في الذاكرة بصمة ابداع لن تمحى.

من ميلانو الى الجم: الياذة حب واحدة وترياق جمال موحّد
نسمة هواء خفيفة تداعب الوجوه، شموع تضيء المكان، صوت الكمنجات يعلو تدريجيا ليرحب بضيوف الجم و يدعوهم الى رحلة موسيقية لا مثيل لها، الكمنجات يرتفع صوتها تنادي الجميع ان حان وقت الحلم فلبّوا النداء، المايسترو MARCELLO ROTAيلوح بعصاه معلنا عن انطلاق الرحلة التي يقودها الاوركستر الايطالي، رحلة في غياهب الحب و كتابة موسيقية لقصص العشق و موسيقى للحلم و انتعاشة تدفعك للتأمل ربما رحلة مجانية الى الجنة دون انتظار رضوان حارس الجنان فأصوات الكمنجات تكون الحارس و القائد وحامي حمى الحلم اليست الموسيقى «حديث الملائكة» كما يقول شكسبير و مع orchestra E CORO LIRICO لمدينة ميلانو استمع جمهور الجم الى هسيس الملائكة وهمساتهم وحديثهم عن العشق حد السكر بخمرة الحب.

المكان، المسرح الروماني بالجم، الحدث سهرة افتتاح المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم، أما الزمان مطلق فمع الموسيقى تنتفي الحدود الزمانية ويصبح الوقت تفصيلة ثانوية غير مهمّة في نشوة بنوتات تحادث روحك وتعاند نبض قلبك.
من مدينة ميلانو الايطالية جاؤوا محمّلين تباشير الحب، من مدينة رومانية يعود تاريخها الى العام 222قبل الميلاد جاءت الاوركسترا لتعزف الحان العشق في مسرح روماني شيّد عام 238ميلادي وبموسيقاهم نفضوا عن المكان غباره وصمته ليحدث الجمهور عن امجاد كتبتها النوتات الموسيقية.
قرابة 120 عنصرا اثثوا لحفل الافتتاح في الجم، 64عازفا و 60 مغني كورال و 16راقصا و اربعة عازفين فرديين يقودهم المايسترو MARCELLO ROTA جاؤوا من مسرح «teatro alla scala» وهو احد اشهر دور الاوبرا فيث العالم افتتح في اوت 1778 تحت اسم « نوفو رجيو دوكال تيترو إلا سكالا» و في القصر الروماني بالجم كتبوا نوتات للتاريخ والحياة، بموسيقاهم غنوا للحب وعزفوا الياذة التمرد في قصر كان شاهدا على تمرد «دهية بنت تيفان» وبالموسيقى استحضروا تمردها وعنادها في نوتات متدفقة كما الشلال.
هنا سحر المكان يمتع الروح و الاوركستر الايطالي كتب اجمل الموسيقات، عزفوا للحب «عايدة» فكانت النغمات هادئة و عزفوا للتراجيديا «ماكبث» فكانت الكمنجات حزينة و كانها صوت يقول:

إنطفئي، أيتها الذبالة القصيرة!
ليست الحياة إلا خيالاً عابراً،
أو هي أشبه بممثل مسكين يختال ويضيع وقته فوق المسرح،
ثم لا يعود يسمع له صوت، إنها حكاية
يرويها معتوه، تعج بالضجيج والعنف،
ولكنها لا تعني شيئاً

عزفوا للأمل «sinfonia» وعزفوا القليل من موسيقى الارادة مع cavalleria rusticana « ولأن الموسيقى السيمفونية عنوان للحب ولان الجولة كانت في جنة الموسيقى و الاستمتاع باحاديث الملائكة عن الحب كان اللقاء مع معزوفة «روميو وجولييت» اشهر قصص الحب معزوفة تماهى فيها صوت التشيلو مع صديقه الساكسوفون والناي ليكتبوا نوتة موسيقية تغلق خلفك ابواب العشق وتتركك تسبح في ملكوت الحلم وتهيم بنوتات مميزة.

الموسيقى صوت يخترق القلب
صوت هادئ و رقيق صوت كما خرير المياه او حفيف وريقات شجر الخريف، موسيقى هادئة كانها محاكاة لصوت انهار الحياة التي قال عنها المعري في رسالة الغفران «وتجري في أصول ذلك الشجر، أنهار تختلج من ماء الحيوان، و الكوثر يمدّها في كل أوان، مـن شرب منها النغبة فلا موت، قد أمن هنالك الفوت. وسعد من اللبن متخرقات، لا تغير بأن تطول الأوقات وجعافر من الرحيق المختوم عزّ المقتدر على كل محتوم. تلك هـي الـراح الدائمـة ومصدر الصوت في جنات الموسيقى هي آلة Flute.

تلك الآلة النفخية المصنوعة غالبا من المعدن وطولها 66 سم ومجالها الصوتي ثلاثة اوكتافات كانت عنوانا للإلهام في الجم وفي موقع موسيقى كتبوا ان يصدر الصوت في الفلوت عن ارتطام الهواء الداخل إلى أنبوب الفلوت بالجدار الداخلي لأنبوب الفلوت، وتحتوي على ثمانية ثقوب رئيسية لأصابع اليدين واثني عشر مفتاحاً يتصل كل واحد منها بثقب وعند الضغط على هذه المفاتيح تنتج تغييرات في التدرج الصوتي الموسيقي الصادر من هذه الآلة».
في قصر الجم عزفوا موسيقى الطبيعة، ابدع عازف الفلوت Davide formisano في معانقة تلك الالة والتماهي مع موسيقاها حد النشوة وحياكة تفاصيل الحلم، عزف روميو وجولييت وعزف la traviatab وامتع الحضور بمعزوفة di quella pira ، فكانت موسيقاه أحيانا كقطع الثلج بيضاء وجميلة تنزل على القلب بردا وسلاما .

موسيقى وكانها حديث عاشقة تقول دعني التقط حبات البرد وإن كان بأنامل مرتجفة، لأصنع لي عقداً يُثلج صدري، وحينما يذوب من حرارة الحب، لن يجففه شيء، فهو قد ذاب بنبض وريدي وشريان قلبي، فما عاد للبرد مكان، وما عاد للشتاء عنوان، فالمطر والبرد والثلج والرعد والبرق لغتي وحُبي وعشقي.
أبدع Davide formisanoو امتع جمهور الجم وهو فنان من اشهر عازفي آلة الفلوت في العالم عشقها منذ صغره وعشق صوتها الرقيق لانها «عنوان للخيال» كما يقول عنها، هو تلميذ jean Claude Gérard.

في عمر الـ17 عام شارك في مناظرة Jean pierre Rampal في باريس وتحصل على الجائزة الاولى و في بوداباست تحصل على الجائزة الاولى في اشهر المسابقات ومن العام 1997 و دافيد من اشهر العازفين الفرديين في تياترو الاسكالا وفي حضن المسرح الروماني بالجم اكّد ان الموسيقى لغة كونية لا تحتاج جواز سفر للتجوال في ربوعها وبآلته العجيبة كتب للحضور لحظات عشق لن تمحى من لذاكرة.

الجسد مطية للحياة ايضا
ستّ عشرة كوريغراف، رقصت اجسادهم وامتعت جمهور الجم، مجموعة من اللوحات الراقصة قدموها على الركح ليحادثوا الموسيقى ويعاندوا نوتاتها على صوت الكمنجات تتحررالاجساد من قيودها وكما التلوينات الموسيقية المتباينة كذلك تكون اللوحات الراقصة لوحات كتبت عن الحب و التضحية، عن الارض و التاريخ لوحات عن العظمة والذكاء وفي رقصة عن موسيقى ماكبث يكمن استحضار ماقيل عن شكسبير:
إن لديه في مخه داراً لسك العبارات،
وإن عباراته لتسلب الألباب
وكأنها الإيقاع الساحر
وفي حركات الراقصين وادائهم كان الايقاع الساحر والضحكة المبهرة.
لوحات كتبتها أجساد الراقصين ونذكر منهم:
Michel umberto fuso Veronica nieddu
Mario ferrari
Anila bekshiu
Jessica regni
الذين رقصوا للحب وحملوا الجمهور في رحلة كوريغرافية لاكتشاف سحر لغة الجسد، رقصوا على صوت الفلوت و حاكوا هدوءها في حركتاهم، وتماهت حركاتهم مع صوت السوبرانو valter borin وعاندوا حركت المشاعل المزينة للمكان ليبدعوا ويمتعوا الحضور بالوانهم الزاهية وحركاتهم المختلفة ويكملوا الحبكة الابداعية لافتتاح المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية بالجم.
 امتدّ العرض حوالي ثلاث ساعات توزّعت على معزوفات كلاسيكيّة وأوبرا لية غنائية فرديّة وجماعية بالإضافة إلى عروض العزف “الاستعراضي” واللوحات الرّاقصة، حملت من خلالها الجمهور الحاضر إلى سماء مفتوحة من الحلم ومن الجمال وجعلته جزءا من حوار روحي، زاد عمقه سحر المكان بأضوائه الخافتة وعظمة تاريخه ورمزيّته عرض تماهت فيه كل مقومات الحلم وانصهرت لتقدم للحضور بلسما يزيل عن النفس كل الم ويحوله الى امل يزهر ويشرق بهجة في حضن المسرح الاثري بالجم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115