العرض الأول لفيلم: «آخر أيام المدينة» لثامر سعيد بـ «مدار قرطاج»: مدننا قد تجهض أحلامنا إن استسلمنا لضجيجها

سلام على المدن، سلام على القاهرة بضوضائها سلام على تونس بضجيجها ،

سلام على بغداد المقاومة التي لاتزال تتنفس وسط الحروب والتفجيرات، سلام على بيروت التي تدعي الهدوء وفي داخلها بركان قد ينفجر اي لحظة.

سلام على المدن ومعها سلام على الانسان سلام على ضجيج مدن يقتل احلامنا، سلام على هدوء خلفه الم و وجيعة، سلام عليك ايها القاهري لانك تحملت عفن المدينة وضوضائها والامها وواصلت الحياة والحلم، سلام عليك أيها العراقي لانك لاتزال تبتسم والدم حولك وحواليك آلاف الأحلام لمجهضة سلام عليك أيها اللبناني لانك تحملت ألم المدينة وواصلت الحياة اما انت ايها التونسي فلك كل التحايا لانك تقاوم في مدينة تخنقك يوميا.

المدن العربية.. ضجيجها يصنع الفارق أحيانا
هل للمدينة هوية؟ هل نحن من يقرر روح المدينة ام المدينة من تصنعنا وتصنع رؤانا وافكارنا؟ لم نهرب من مدننا؟ وان هربنا منها اين تكون الوجهة؟ هل القاهرة صنعت خالد ام خالد من صنع القاهرة بضجيجها وزينها لتكون فيلما سينمائيا جميلا.

من الضجيج خلق الفيلم من الصراخ والآلام ومن الاختلاف الذي تعيشه تلك المدينة ولد الفيلم، من رحم ضياع الانسان في الشوارع وتوهان روحه فيها ولدت كاميرا المخرج ثامر السعيد فيلم «اخر ايام المدينة».

فيلم داخل الفيلم، ثامر السعيد يريد فيلما يوثق للقاهرة فيلم عن الحياة فيها عن المدن والحلم، داخله فيلم اخر يكون بطله خالد السعيد يحلم بانجاز فيلم عن مدينته، يصور الشوارع الشقق الام الناس وحكاياهم اليومية «عم فرج» بائع الجرائد و حبيبته مريم «مريم صالح» المترجمة الحالمة بمغادرة مصر لان سبل الحلم فيها قد ضاق، من امه المريضة و ذكريات صديقته «حنان يوسف» مديرة احدى الفرق المسرحية الى شواطئ الاسكندرية وذكريات الطفولة تتشابك الصور تختنق حد الانفجار، انفجار يسال معه خالد نفسه عما يريد؟ عن القاهرة وضجيجها وكيف يحول كل ذاك الضجيج الى فيلم انساني فيلم يقدس الانسان ويقدس تضحيته اليومية ليعيش في المدن العربية.

خالد مواطن مصري يعشق السينما يريد انجاز فيلم، تاه في زحام المدينة وضجيجها وثّق للحياة اليومية لصراخ بائع الجرائد لابتسامة بائعة الورد لالم البسطاء لصراخات الازواج لحكايا امه ولضحكات صديقه وثق للمقاهي للمطاعم للنيل وللمراكب وثق لحياته وتفاصيلها دون معرفة اي زاوية ستكون محور فيلمه، وفي كم الضياع وزحام المدينة كان ضجيج المدينة هو الفيلم، ذاك الضجيج التي تعايشه يوميا خلق منه المخرج فيلمه ففي كل ثانية هناك آلاف الحكايا ربما تتيه عنها ولكن الكاميرا لا تغفل وكانت سلاحه لاعادة اكتشاف المدينة واكتشاف ذاته.

السينما تحول القبح جمالا
ضوضاء وضجيج يقلقل الاذن وينهك الروح، جري وراء لقمة العيش بشاعة تراها اينما وليت نظرك،كاميرا المخرج سلطت الضوء على تفاصيل اليومي في القاهرة، اقتربت من الظهور المقوسة وانحناءات الاحلام، ركزت الكاميرا على تفاصيل بائعة الورق تلك الطفلة صاحبة العشرة اعوام بلباسها الرث و سرقة ابتسامة لتواجه الم المدينة، تلك العجوز بائعة الورد الابيض بياض فقدته في حياتها واحلامها ربما في لباسها ايضا وما بياض الورد إلا للدلالة عن سواد وقتامة تعيشها.

بشاعة صور السيدة العجوز التي تاكل من القمامة، وذاك الرجل الذي استغل قوته الجسدية ليعتدي على امرأة ويفتك اموالها، ذاك الشاب الطامح بدولة ديمقراطية وكيف انهارت عليه هراوات رجال الشرطة فقط لأنه احتج والاحتجاج يضمنه «الدستور المصري» كما قالت قارئة الاخبار، مقر الاذاعة وكيف اصبح مصلى جماعي يغلق اوقات الصلاة.
من اضطراب الانسان إلى اضطراب المدينة إذ تصوّر الكاميرا موجات الهدم؛ هدم المنازل القديمة التاريخية الذي نراه في مشهد وحشي، وعمال الهدم يضربون بمعاولهم فيسقطون الجدران والشرفات والأسقف أمام الكاميرا في لقطة طويلة ثابتة.
إنهم يغتالون التاريخ نفسه في ضراوة وعنف، وتنتهي اللقطة والأتربة تغطي الشاشة وتكاد تخترق عيوننا وارواحنا ونحن نشاهد الفيلم..

كل تلك الفوضى وذاك الضجيج كل تلك البشاعة أصبحت جميلة في السينما، كل تلك القتامة نقلها المخرج لنراها جملا ونرى تفاصيل اليومي ابهى مع الفيلم ستتصالح مع مدينتك، ستقف للحظات تتامل جمال العمارة التي نسيتها ذات مرة، ستتامل الباعة وكيف يعرضون بضاعتهم بكل فنّ ستستمع إلى الاغاني وتحاول فهمها وان اختلفت الاذواق كل ذاك الاختلاف ستصنع منه فيلمك لوحدك ستصور بعدسة العين اجمل المشاهد ومن القبح تصنع الجمال كما قدم خالد السعيد ضجيج القاهرة وحوله الي فيلم انساني.

سلام عليك ايها الانسان العربي
للمدن تاثيرها على العقل كما الخمرة ان كانت الخمرة تذهب العقل فالمدن تذهب العقل والروح معا وتهزم القلب وتقتل الاحلام فينا، هكذا هي القاهرة وبيروت وبغداد، فسلام على الانسان العربي لانه استطاع مواصلة الابتسام وسط ضجيج المدن.
في أحد المشاهد وفي جلسة خمرية يلتقي خالد مع اصدقائه اثنان من العراق وهما حيدر حلو الذي يقيم في بغداد والرافض لمغادرتها لانها مثل نبض القلب، وباسم حجار الذي ترك العراق ويقيم في برلين بسبب بشاعة مشاهد الموت التي شاهدها، والمصور السينمائي اللبناني باسم فياض الكاره لبيروت لهدوئها و«عفنها»، إذ هكذا يجسد ثامر السعيد علاقة المثقف بمدينته، علاقة الحب التي تربطه بمدينته، بذكرياته الحميمية فيها، بعلاقاته التي لا يستطيع الانسلاخ عنها، وفي الوقت نفسه، الشعور بالإحباط مما حدث لها من تدهور، ذاك الخيط الرفيع بين الحب والكره نجده في علاقة المبدعين بمدنهم، فصديقه العراقي حيدر حلو متمسك بوجع العراق والمه محافظ على ابتسامة تسكنه، أما صديقه اللبناني فما زال يبحث عما يمكن تصويره في مدينة شبّهها بـ«عجوز تجاوزت الثمانين ولكنها تقبل على عمليات التجميل».
وسط ثنائية الحب والكره يحملنا الفيلم لنغوص في جزئيات الانسان العربي في علاقته بمدينته ويطرح السؤال عن الهوية اهي في المدينة ام الانسان، اسئلة عن الارض والوطن عن المواطن وكيف يعايش ضجيج المدن، عن انفجاراتنا الداخلية وتأثيرها في المحيط الخارجي اسئلة اغلبها وجودي وحدها الكاميرا قادرة عن الاجابة عنها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115