الفيلم الوثائقي «خنقتونا» لزياد حداد: الكاميرا أداة للتّوثيق والنّضال

الى احداث جربة وتحديدا مشكلة «مصب قلالة» عاد المخرج زياد حداد بالجمهور وعاد بالذاكرة ليكتب الاحداث ويوثقها كما صورتها الكاميرا انذاك، دون تزيين نقل الواقع وذكر التونسيين وتحديدا سكان جربة لاعادة كتابة الاحداث وتوثيقها من خلال فيلم وثائقي مدته عشرون دقيقة

هي عنوان للحقيقة دون تشويه والمناداة بحق سكان جزيرة الاحلام في بيئة نظيفة، فيلم أهداه صاحبه الى الشباب المناضل القابع في السجون ورهن السراح المشروط من اجل بيئة عيش نظيفة.

«خنقوتونا» نريد ان نتنفس هواء نظيف، نريد ان نضحك دون كمامات على انوفنا، خنفقتونا؟ اليس من حقنا استنشاق هواء لا مرض فيه، خنقتونا والسينما وحدها ستكون نصيرة قضيتنا، هكذا هو فيلم «خنقتونا» لزياد حداد، فيلم عرض في وثئقيات جربة وسيكون في ملتقى الجنوب بتطاوين، فيلم يعود الى احداث جربة وقلالة والاحتجاجات التي قام بها المواطنون في جويلية 2014 والقمع البوليسي الذي تعرض له المحتجون.
لنا السينما لنصدح بالحقيقة
السينما عنوان للحقيقة، الكاميرا وسيلة لنقل حقائق ربما تناستها الوثائق الرسمية او سقطت سهوا من ذاكرة المواطن، السينما وسيلة زياد حداد للتعبير عن رفضه للموجود ووسيلته لنقل اصوات ابناء جربة الذين انتفضوا على فتح مصب قلالة بالقوة العامة وخرجوا للشوارع ينددون بقرارات السلطة المسقطة فكان مصيرهم الضرب والإيقاف والسجن.
صورة عامة grand plan لوسط المدينة، سيارات مهشمة، عجلات مطاطية محروقة، حجارة مرمية هنا وهناك، صور لبقايا الخراطيش الفارغة، وشباب ملثم يرفع شارات النصر، ثم تقترب الكاميرا تدريجيا لتنقل للمتفرج جزءا مما حدث وصورة لسيارة الشرطة تحترق

بالكامل ومعها صوت لأزيز الرصاص وصوت سيارة الاسعاف وصراخ المحتجين حينها ستسأل هل حقا هذه جزيرة الاحلام جربة؟ .

منذ الجنيريك يعتمد المخرج التشبيه للحديث عن حالة المدينة، اولى الصور امرأة باللباس الجربي التقليدي ويشبّه ماعاشته جربة من انتشار للفضلات بعجوز تغسل غسيلها في منزلها وحين تسال عن شدة نظافته تجيب «هاو جيف» فيجيبونها اهل الديمقراطية «قولي انه نظيف، وقولي وقولي حتى تصدقي انه نظيف»، فتصدق العجوز الكذبة و «كي حد يجي يقلها نشم في حاجة ماهياش في محلك...تطردوا..وكان ماسكتش تضربو بالكرتوش» تماما كوضع مدينة جربة في جويلية 2014.

تتواصل جولة كاميرا زياد حداد وحسام عكروت لتنقل صور المحتجين والغاضبين بسبب غلق مصب قلاّلة « والوالي اساسا هو المتسبب في تلك المشاكل لان قرار اغلاق المصب لم يخدم مطلقا مصلحة الشعب ولم يكن حريصا على لا على التنمية ولا على النظافة ولا السلم الاجتماعي في جربة» على حد شهادة المحامي والناشط في المجتمع المدني مهدي بن حمودة.

كلما تقدمت الكاميرا إلاّ وزاد معها الكم الهائل من الحقائق المخفية، وقدمت للمتفرج صور لم يشاهدها مطلقا في وسائل الإعلام ومعها شهادات عن القسوة و العنف البوليسي الذي عاشه سكان جربة وحومة السوق وقلالة لأنهم تظاهروا لأجل بيئة نظيفة «حاولنا التعامل مع السلطة بأسلوب حضاري وأردنا ان نمارس لغة الحوار ولكن اذان السلطة صماء رفضت الاستماع الينا فقررنا الاحتجاج على حد تعبير احد المواطنين المحتجين.

تحتج، تطالب بحقك تشد الحبس؟
عنف هنا وهناك، صورة للسيارات المحروقة، لائحة الدخان تكاد تستنشقها من شدة كثافتها في الفيلم، اصوات المحتجين وصرخات المظلومين ووجيعة الباحثين عن الحقيقة، تتجول الكاميرا بين المواطنين ليتحدوا جميعهم حول موقف موحد اجتمعوا ليحتجوا لأجل المدينة ومصلحة ابناء المدينة لا غير.

قرارات فوقية مسلطة من لدن سلطة لم تراعي مصلحة الشعب وخدمت فقط مصلحة الشركة المستغلة لمصب قلالة على حد تعبير محمد بن غازي

اعتداءات على المحتجين «يوم 12جويلية 2014 يوم لن يمحى من ذاكرتي، انطلقت الاحتجاجات ويومها واثناء مواكبة الاحداث شاهدت العنف الذي مارسه البوليس على المحتجين، ظلم وسب وشتم واعتداءات عنيفة، لحدّ أن وضع احدهم سلاحه في ركبتي وتوجه الي بالقول (اتريد ان تقضي بقية عمرك معوق) كما جاء في شهادة الصحفي نبيل بن وزدو الذي اضاف «يومها عرفت معنى كلمة ارهاب الدولة لانني عشت الحكاية».

وجيعة المحتجين واهاليهم، صرخة الغضب التي سكنت ابناء جربة، وصرخة ظلم عاشها اهالي الموقوفين الذين خرجوا الى الشوارع ليحتجوا على القرارات الفوقية، شباب طالب ببيئة نظيفة فكان مصييره الايقاف والسجن، اباء حرموا من ابنائهم فقط لانهم ناصروا الحق وطالبوا ان تكون مدينتهم نظيفة وعوض تكريمهم يكون السجن هديتهم.

كل لحظات الوجيعة والظلم الموجودة على وجوه المحتجين، ودموع الامهات وبكاء الاطفال نقلته كاميرا زياد حداد، مخرج اختار الاختلاف في طريقة التصوير فهو ينقل كل الجزئيات التي تشكل الحقيقة كاملة، مخرج نقل صرخة ابناء مدينته انحاز الى المحتجين والمطالبين بحقوقهم بالكاميرا التي كانت وسيلته لرفض غلق مصب قلالة ورفض ايقاف ابناء مدينة جربة فقط لانهم طالبوا بحقوقهم.

خنقتونا فيلم يندرج ضمن سينما الواقع، فلم يؤرخ لحدث هام عاشته جربة، فيلم صورته استثنائية لان زياد حداد مخرج مختلف وميزة افلامه جمال الصورة وان كانت تعبر عن القتامة والقساوة، خنقتونا صورته جميلة ويقدم الكثير من التفاصيل التي سقطتت من ذاكرة المواطن ويسال عن مصير المحتجين في كامل ربوع الوطن؟

زياد حداد:
مخرج متمرّد وحالم
زياد حداد، مخرج تونسي اختار السينما اداة للمقاومة والنضال واختار التوثيق مساره للنبش في الذاكرة، مخرج لا يعمل بمفرده و يؤمن بالعمل الجماعي، عين واحدة لا تنجز فيلما، ليس مهما التتويج المهم ان نكون فريقا نحادث بعضنا دون كلام ونفهم ماذا نريد وكيف نقدم فيلما ليس كالاخرين» هكذا يقول زياد الحداد عن طريقة في العمل.

زياد حداد شارك في مجموعة من الملتقيات السينمائية، انطلاقا من جزيرة الاحلام جربة الى قصور بني خداش و60ساعة سينما فتتويج بالجائزة الاولى في مهرجان التروقلديت بمطماطة، ثم تنويه في مهرجان زردة السينما بالكاف، ثم الجائزة الاولى عن فيلم الليالي السود في ملتقى توزوروس، وزياد حداد لا يعمل لوحده بل في اطار فريق، مخرج يبهرك بطريقته المميزة في التصوير وكلما شاهدت plan إلا وتيقنت انه من تصويره، له عين ذهبية وليس كغيره من المخرجين، يؤمن ان السينما رسالة وصوت للحقيقة، وينحاز دائما للمنسيين والمهمشين.

تونسي شاب يؤمن ان الحلم يمكن ان يصبح فكرة والفكرة قد تنتج مشروعا والمشروع نوعان اول افلام وثائقية تتحدث عن تونس والذاكرة والتاريخ وثان فضاء ثقافي اتصالي اجتماعي يجمع شتات اطفال جربة المغرمين بالسينما واسمه cozi ليكون فضاء للاجتماع والبحث وإنتاج الافلام.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115