احتفالا باليوم العالمي للطيور المهاجرة: ملاحات طينة أو جنة الطيور المجهولة

عندما قامت جمعية احباء الطيور باستدعاء صحفيين الى ملاحات طينة الواقعة على طول 14كم على سواحل مدينة صفاقس من اجل مشاركتها الاحتفال باليوم العالمي للطيور المهاجرة

فان بعضهم استغرب العلاقة بين مكان معد أصلا لانتاج الملح والطيور ...

لم يكن الفرنسيون الأوائل الذين فكروا ومنذ القرن التاسع عشر في انشاء النواة الأولى لملاحات طينة على سواحل مدينة صفاقس ان المكان سيصبح بعد اكثر من قرن ليس فقط وحدة عظيمة لانتاج الملح وانما أيضا حاضنة كبرى لاكثر من مائة نوع من الطيور المائية المهاجرة التي وجدت في احواض تبخر مياه البحر والتي تحتل 90 بالمائة من مساحة الملاحة ( تقل ملوحتها عن 35غرام في اللتر) الملاجئ المثالية لتمضية فصل الشتاء او للاستراحة لاعداد أخرى مهاجرة في فصل الربيع وأيضا لاكثر من 15نوعا معششا في فصلي الربيع والصيف .

هي اذن قصة الاستثمار الاقتصادي الذي ارادت من خلاله الشركة الفرنسية «كوتوزال» ربح المال عبر انتاج الملح بواسطة تقنيات طبيعية والذي حول المكان شيئا فشيئا (دون المساس من سير الإنتاج العادي ) الى منطقة رطبة ذات أهمية عالمية استدعت أولا تصنيفها كـ«منطقة مهمة من اجل المحافظة على الطيور» والتي اصطلح على تسميتها بـ«منطقة ZICO» وأيضا ادراجها ومنذ سنة 2007 ضمن قائمة «رمسار» للمناطق الرطبة المهمة في العالم وبهذا يكون المشروع الذي ينتج اكثر من 300 الف طن من الملح تصدر اغلبها الى الخارج ليس فقط وسيلة نظيفة لربح المال وانها مصدر اثراء لطبيعة المكان يمكن ان تكون في المستقبل قاعدة لاقامة سياحة ايكولوجية تقوم أساسا على مشاهدة الطيور خاصة وان للمكان خصوصية فريدة يتميز بها وهي إمكانية مشاهدة اغلب الطيور المائية بالعين المجردة ودون اللجوء في اغلب الأوقات الى مناظير .

تقدم ملاحات طينة اذن المثال الجيد للاستثمار المستدام في وقت ننادي فيه بقوة بضرورة ان يتوافق النشاط البشري مع الطبيعة المحيطة به وان لا يكون مصدر تدمير لها .

وملاحات طينة هي أيضا قصة العامل الحبيب الدلنسي الذي كان مولعا بالصيد ولكن مجاورته اليومية للطيور المائية الكثيرة جعلت منه ليس فقط محبا لها ومدافعا عنها وانما وشيئا فشيئا خبيرا دوليا في التعرف عليها ويمكن معاينة شغفه بسهولة عبر الصور اليومية التي ينشرها على صفحته الشخصية على الفيسبوك.

وسي الحبيب هو الذي كان دليلنا (صحبة رئيس الجمعية السيد هشام الزفزاف ) في رحلة داخل الملاحة
لم نكتف خلالها بمشاهدة اغلب الطيور المعششة(التي تتزاوج في الملاحة وتعتني ببيضها الى ان تصبح بدورها طيورا ) بل كذلك كانت مناسبة اطلعنا فيها سي الحبيب عن المشاكل الكثيرة التي تعوق السير العادي لهذه العملية الطبيعية ومنها وجود الكلاب السائبة وأيضا الخنازير التي تقوم عادة بالبحث عن بيض او فراخ الطيور لتناولها خاصة وان عملية التعشيش تتم عادة فوق ارض منبسطة و مكشوفة .

كانت «خرشنة البحر الاعتيادية « بمنقارها الأحمر والسواد الذي يغلف راسها في فصل التزاوج وجسمها الذي يغلب عليه البياض أولى الطيور المعششة التي صادفتنا وهي قابعة في مجموعات متوسطة العدد على الأرض الطينية الفاصلة بين الاحواض .

كما ان النوارس التي نشاهدها على طول سواحلنا البحرية كانت حاضرة باعداد محترمة ومنها «النورس أصفر الساق» الشائع ببلادنا والذي تعشش منه قرابة الاربعمائة طائر في طينة كل سنة والذي قال الحبيب الدلنسي انه وفي بعض الأحيان يقوم بتناول فراخ أنواع أخرى ويمثل بالتالي مشكلا امام نجاح عملية تعشيشها .

كما امكننا مشاهدة «النورس رقيق المنقار» والذي يختلف عن سابقه بحجمه الأصغر ومنقاره وسيقانه الحمراء .

أنواع أخرى يمكن مشاهدتها ولكنها لا تعشش في الملاحة مثل اعداد غير بالغة من «النحام الوردي» والتي يتطابق لون اجنحتها الجذاب مع لون سطح مياه الاحواض التي يتم استخراج الملح منها ويعود ذلك الى وجود كائنات بحرية دقيقة يقتات عليها الطائر المحمي .

ولكن متعة مشاهدة الطيورفي طينة لا يمكن ان تحجب مصادر التلوث الكثيرة المحيطة بالموقع ومنها مثلا قناة تصريف المياه المستعملة لكامل مدينة صفاقس والتي تقطع الملاحة لتصرف كميات كبيرة من المياه الداكنة وذات الرائحة الكريهة مباشرة على الشاطئ المحاذي للاحواض.

كما ان «جبلا» من مادة الفوسفوجيبس يجاور الملاحة وهو من مخلفات معمل «السياب» الشهير في صفاقس وقد تساءل بعض الحضور عن إمكانية وجود مخلفات هذا التلوث في المنتوج النهائي للملح خاصة وان نفس المياه الساحلية الملوثة هي التي يقع إدخالها الى الاحواض من اجل التبخر .

لا يفوتني ان اذكر في النهاية ان جمعية احباء الطيور هي بصدد اعداد مشروع وبالتعاون مع شركة «كوتوزال « المستغلة للموقع يهدف الى تاهيل المكان وحمايته يشمل مثلا العناية بالمسالك ومقاومة الخنزير وتاطير القادمين من اجل مشاهدة الطيور ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115